بأبي خيال لاح لي متلفّفا | بعياءة من عهد فخر الدين
|
يمشي على مهل ويرسل طرفه | في حيرة المستوحش المحزون
|
من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟ | قل لي فإنّك قد أثرت شجوني
|
أخيال خصم أتّقي نزواته؟ | أم أنت ، يا هذا، خيال خدين؟
|
فأجابني مترفّقا متحبّبا | فسمعت صوت أب أبرّ حنون
|
...
|
يا شاعري قل للألى هجروني | أنا ما نسيتكم فلا تنسوني
|
ما بالكم طوّلتم حبل النوى | يا ليت هذا الحبل غير متين
|
قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم | جبلا عليه مهابني وسكوني؟
|
أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم | كأزاهري في الحسن والتلوين؟
|
ولقد تظلّلتم بأشجار فهل | رفّت غصون فوقكم كغصوني؟
|
وسمعتم شتّى الطيور صوادحا | أسمعتم أشجى من الحسّون؟
|
هل أنبتت كالأرز غيري بقعة | في مجده وجلاله الميمون؟
|
أرأيتم في ما رأيتم فتنة | كالبدر حين يطلّ من صنّين؟
|
أو كالغزالة وهي تنقض تبرها | عند الغيب على ذرى حرمون؟
|
مرّت قرون وانطوت وكأنني | لمحاسني كوّنت منذ سنين
|
أبليتها وبقيت ، إلاّ أنّني | للشوق كاد غيابكم يبليني
|
...
|
لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم | ركبوا إلى العلياء كلّ سقين
|
لم يهجروك ملالة لكنّهم | خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون
|
ورثوا اقتحام البحر عن فينقيا | أمّ الثقافة مصدر التمدين
|
لّما ولدتهم نسورا حلّقوا | لا يقنعون من العلى بالدون
|
والنسر لا يرضى السجون وإن تكن | ذهبا، فكيف محاسن من طين؟
|
ألأرض للحشرات تزحف فوقها | والجوّ البازي وللشاهين
|
فأجابني والدمع ملء جفونه | كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟
|
أنا كالعرين اليوم غاب أسوده | وتفرّقوا عنه لكلّ عرين
|
ألأرمنّي على سفوحي والربى | يبني الحصون لنفسه بحصوني
|
وبنو يهوذا ينصبون خيامهم | في ظلّ أوديتي وفوق حزوني
|
وبنّي عنّي غافلون كأنّني | قد صرت في الأشياء غير ثمين
|
أنتم ديون لي على آميركا | ومن المروءة أن تردّ ديوني
|
أو ليس من سخر القضاء وهزته | أن يأخذ المثرى من المسكين؟
|
عودوا فإنّ المال لا يغنيكم | عنّي، ولا هو عنكم يغنيي
|
...فشجيت مّما قاله لكنّني | لّما رأيتكم نسيت شجوني
|
لبنان فيكم ماثل إن كنتم | في مصر أو في الهند أو في الصين
|
إن بنتم عنه فما زال الهوى | يدنيكم منه كما يدنيني
|
وحراككم لعلائه وسكونكم | وإلى ثراه حنينكم وحنيني
|
لو أمست الدنيا لغيري كلّها | ورباه لي ما كنت بالمغبون
|
أنا في حمالكم طائر مترنّم | بين الأقاح الغضّ والنسرين
|
أنتم بنو وطني وأنتم إخوني | وأنا امرؤ دين المحبّة ديني |