يا ليتما خلق الزمان أميلا | إني أراه كالشّباب جميلا
|
ولّى، فودّعت السماء بهاءها | من بعده ،هوى النّهار عليلا
|
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما | تبغي رقادا أو تريد مقيلا
|
وتناثرت قطع السحاب كأنها | الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا
|
هذا وقد بسط السكون جناحه | والليل أمسى ستره مسدولا
|
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد، | وكلّ جفن بالكرى مكحولا
|
إلا مهفهفة بها نزل الهوى | ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا
|
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى | أني لأحسد ذلك الموصولا
|
تحكي المدامة رقة وقساوة | تحكي المهاة لواحظا وتليلا
|
ماء الحياء يجول في وجناتها | فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا
|
والخدّ أبهج ما يكون موردا | والطرف أفتن ما يكون كحيلا
|
نظرت وربّ منية من نظرة | قد كان عنها ربّها مشغولا
|
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى | وهوى ينال به الحمام نبيلا
|
والحبّ مصدره العيون وربّما | تخذ السماع إلى القلوب سيلا
|
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى | عينيك ، إنّ من العيون قتولا
|
ودّت وقد نال الذّبول خدودها | لو أن في الشّوق المقيم ذبولا
|
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء | لم بجد عذل العاذلين فتيلا
|
سمعت دويا في الظّلام فهرولت | مذعورا بعد الوقوف طويلا
|
وأنين مختضر يقول قتلتني | ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا
|
تعدو وتجذبها روادفها إلى | خلف فتجهد خضرها المتبولا
|
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما | وكأنّ في ذاك الإزار عذولا
|
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا | ومن الأنين إلى الأنين دليلا
|
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره ، | تبغي حليلا لا تراه جليلا
|
وتدير في تلك البنان مسدّسا | تركت قذائفه السهام فضولا
|
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا | طرف الزّمان إليه عاد كليلا
|
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه | فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا
|
يحمي الضعيف من القوي وربّما | قتل الجبان به الفتى البهلولا
|
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل | قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا
|
حتى إذا رأيت المراد وما رأت | إلا خيالا واقفا مجهولا
|
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت | أنّ الذي علقت به المقتولا
|
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من | بصرت به عرضا فخرّ قتيلا
|
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت | أسدا يخرّ له الهزير ذليلا
|
كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة، | كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا
|
ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه ، | ما خان قطّ خليلا
|
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى | فيها، وأغضب كاشحا وعذولا
|
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى | والبدر يكسيه المسير أفولا
|
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها | من لم تر أبدا سواء جميلا
|
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى | ورأت عيانا نعشه محمولا
|
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه | إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا
|
يا صاحبي إن جزت في قبريهما | فاتل السّلام عليهما ترتيلا
|
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا | إلا تذّكر وردة وإميلا |