أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم | و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم
|
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده | و الطير يحبس منها جيّد النغم
|
و حكّمت يده الأقلام في دمه | فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم
|
فيا له عاشقا طاب الحمام له | إن المحبّ لمجنون فلا تلم
|
لكلّ ذي همّة في دهره أمل | و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم
|
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا | أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم
|
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه | إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم
|
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي | رجعت و الوجد فيه طارد سأمي
|
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا | أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي
|
لقد صحبت شبابي و اليراع معا | أودى شبابي ... فهل أبقي على قلم
|
كأنّما الشعرات البيض طالعة | في مفرقي ، أنجم أشرقن في الظلم
|
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي | ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم
|
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة | و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم
|
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا | هل كان ثمّ شباب غير منصرف
|
أصبحت أنحل من طيف ، و أحير من | ضيف ، و أسهر من راع على غنم
|
و ليلة بتّ أجني من كوكبها | عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم
|
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي | ما لا يفوز به غيري من الحلم
|
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي | و لا البكاء على ما فات من شيمي
|
لكنّ ( مصرا ) ، و ما نفسي بناسبه | مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم
|
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت | نفسي العثار ؛ و لا نفسي من الوصم
|
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم | ما فيهم غير مطبوع على الكرم
|
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم | و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم
|
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني | إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم
|
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه | شوق إلى مهبط الآيات و الحكم
|
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق | تنسى العيون لديه حمرة العنم
|
و ما سرت نسمات نحوها سحرا | إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم
|
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها | فانّني بعدها للهمّ و السّقم
|
جاد الكنانة عنّي وابل غدق | و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم
|
الشرق تاج ، و مصر منه درّته | و الشرق جيش ، و مصر حامل العلم
|
هيهات تطرّف فيها عين زائرها | بغير ذي أدب أو غير ذي شمم
|
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد | فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك
|
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده | حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي
|
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم | شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم
|
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم | إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم
|
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما | و يضحك القرد منه غير محتشم
|
إذا بصرت به لا فاته كدر | رأيت أسمج خلق الله كلّهم
|
من الأعاب لكن أنشده | جواهر الشّعر ألقاه من العجم
|
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا | كأنّما أنا أتلوها على صنم
|
لا عيب في منطقي لكن به صمم | إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم
|
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري | إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم
|
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى | في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم |