ألا و بعون لو أنّها تتكلّم | لروت لنا قصص للعظام عنكم
|
و لحدّثتنا عن أعشاشكم | طرتم بأجنحة المنى إذ طرتم
|
يوم الفراق كظمتم آلامكم | و أخفّ من ألم الفراق جهنّم
|
و بكى الأحبّة حولكم و جفونكم | تعصى البكا ؛ حزن الجبابر أبكم
|
أيد تودّع موطنا و عشيرة | و مطامح خلف البحار تسلّم
|
ضاقت على أحلامهم تلك القرى | فاخترتم الدنيا الوساع لتحلموا
|
و غزوتم الآفاق لا زاد لكم | إلاّ الصّبا المتوثّب المتضرّم
|
كاللّيث ليس سلاح في السّرى | مخالبه التي لا تلثم
|
تتخيّلون البحر شقّ لتعبروا | و انداح بين الشّاطئين لتسلموا
|
و الدّرّ مخبوءا لكم في قاعة | كي تخرجوه و تغنموا ما شئتم
|
و الموج ‘ذ يطغى و يهدر حولكم | جوقا لطرد همومكم يترنّم
|
و إذا النجموم تألّقت تحت الدجى | خلتم لأجلكم تضيء الأنجم
|
و حسبتم شمّ الجبال سلالما | نصبت لكم كي تصعدوا فصعدتم
|
و الشمس منجم عسجد متكشّف | لذوي الطموح و أنتم أنتم هم
|
و لكم تلثّمت الحقائق بالرؤى | كالأرض يغشاها السراب الموهم
|
لتطلّ من أرواحنا أشواقها | فنطوف حول خدورها و نحوّم
|
لم تقنعوا كالخاملين بأنّكم | لكم شراب في الحياة و مطعم
|
لو أن تكون حياتكم كحياتهم | عبثا يموت به الوقار و يعدم
|
و تأففا في اللّيل و هو منوّر | و تبرّماا في الصّبح و هو تبسّم
|
لو أن يكون ترثكم كتراثهم | قصر عفا أو هيكل متردّم
|
و حديث أسلاف قد التحفوا الفنا | فهم سواء فقي القياس و جرهم
|
من يقترب من أمس يبعد عن غد | و يعش مع الموتى و يصبح منهم !
|
و كرهتم أن تنقضي أيامكم | شكوى لمن يرثي و من لا يرحم
|
أو أن يبيت على احضيض مقامكم | و الدود يزحف فوقه و الأرقم
|
فنفرتم كالنحل ، ما من زهرة | فيها جنى ، إلاّ و فيها مغنم
|
في كلّ شطّ مارد ، في كلّ طود | قشعم ، في كلّ واد ضيغم
|
المجد مطلبكم و أنتم سهّد | و المجد حلمكم و أنتم نوّم
|
لا شيء صعب عندكم حتى الردى | ألصعب عند نفوسكم أن تحجموا
|
يا بضعة من أمّة | هي أمّة |
فيكم جميع صفاتها و خلالها | و الروض يحويه عطورا قمقم
|
إنّ الألى الجهاد عليكم | علكوا مداركهم و لم يستطعموا ...
|
طلبوا السلامة في القعود ففاقهم | درك الثراء و بعد ذا لم يسلموا
|
هؤلاء دود القزّ أحسن منهم | و أجلّ في نظر الحياة و أفهم !
|
قالوا كهول قد تصرّم عصرهم | ليت الشّباب من الكهول تعلّموا !
|
إن لم تشيدوا كالأوائل " تدمرا " | أو " بعلبك ّ " فإنّكم لم تهدموا
|
و لكم غد و جماله و بهاؤه | و لكم من الأمس النفيس القيّم
|
***
|
حدثت نفسي و القطار يخبّ بي | عجلان يخترق الدذجى و يدمدم
|
فسألها مستفهما ، لربما | سأل العليم سواه عمّا يعلم
|
ما أحسن الأيّام ؟ قالت : يومكم ! | و النّاس ؟ فابتدرت و قالت : أنتم
|
و الدور ؟ قالت : دوركم . و المال ؟ | قالت : إنّ أحسنه الذي أنفقتم
|
و الحسن ؟ قالت : كلّ ما أحببتم | و الأرض ؟ قالت : أينما استوطنتم
|
ما كان أكمل يومكم و أتمّه | لو لم يكن في مهد عيسى مأتم
|
و كذا الحياة ، قديمها وحديثها ، | ذكرى نسرّ بها و ذكرى تؤلم |