يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي | أحببتها قصّة و اشتقت زاويها
|
كانت لها صورة في النفس حائرة | مثل القصيدة لم تنسج قوافيها
|
وددت لو أنّها تمّت فيبصرها | غيري ، و تسكره مثلي معانيها
|
و كيف تكمل في ذهني و لم أرها | و ما لصورتها شيء يحاكيها ؟
|
و أيّما نغمة أدّى عذوبتها | كلام راو و لا شاد يغنّيها
|
أأنشق العطر لم أهبط خمائلها ؟ | و أشرب السحر لم أسمع قماريها ؟
|
و تصعد النفس منّي للسماء و لا | حبال نور تدلّت من دراريها ؟
|
كانت سعادة نفسي في تصوّرها | و النفس يسعدها و هم و يشقيها
|
بالوهم توجد دنيا لا وجود لها | و تنطوي عنك دنيا أنت رائيها
|
فكم ظمئت و في روحي جداولها | و كم رويت و غيري في سواقيها
|
قد كنت من قبل مثل الناس كلّهم | أقول إنّ إله الكون باريها
|
حتّى نظرت إليها في جلالتها | فصار كلّ يقيني أنّه فيها !
|
لمّا رأيت الجمال الحقّ أدركني | زهد بكلّ جمال كان تمويها
|
كأنّما الحور مرّت في شواطئها | في ليلة طفلة رقّت حواشيها
|
ففي الرمال سناء من تضاحكها | و في المياه أريج من أغانيها
|
أتيتها بشباب ضاع أكثره | و غيّبته اللّيالي في مطاويها
|
فاسترجع الحبّ قلبي فهو مغتبط | و عادت الروح خضراء أمانيها
|
*
|
سئلت ما راق نفسي من محاسنها ؟ | فقلت للناس : باديها و خافيها
|
و ما حببت من الأشجار ؟ قلت لهم : | إنّي افتتنت بكاسيها و عاريها
|
و ما هويت من الأزهار ؟ قلت لهم : | ألحبّ عندي لناميها و ذاويها
|
قالوا : و ما تتمنّى ؟ قلت مبتدرا : | يا ليتني طائر أو زهرة فيها
|
فربّ أنشودة من بلبل غرد | حوت حكاية حبّ خفت أحكيها
|
وربّ روح كروحي في بنفسجة | و سنى أطلّت على روحي تناجيها
|
وربّ قطره ماء لا غناء بها | شاهدت مصرع دنيا في تلاشيها
|
كلّ الذي لاح في أرضها حسن | و أحسن الكلّ في عيني أهاليها
|
إلاّ ذوو السحن السوداء واعجبا | أجنّة و ذباب في نواحيها ؟
|
إنّي ليكبت روحي أن ألاحظهم | بمقلة أبصرت فيها غوانيها
|
دع المساويء في الدنيا فما برحت | فيها محاسن تنسينا مساويها
|
كم حاول اللّيل أن يطوي كواكبه | فكان ينشرها من حيث يطويها
|
واذكر أكارم قوم عنصرهم | و أشبهوا بسجاياهم أقاحيها
|
بني بلادي ! و فيكم من خمائلها | جمالها و التّسامي من روابيها
|
تسلّت النفس عن أحبابها بكم | لولاكم لم يكن شيء يسلّيها
|
أكرمتموني فشكرا غير منقطع | دوام شكرك للنعماء يبقيها |