هجرت القوافي ما بنفسي ملالة | سواي ، إذا اشتدّ الزّمان، ملول
|
ولكن عدتني أن لأقول حوادث | إذا نزلت بالطود كاد يزول
|
وبغّضني الأشعار أنّ دعاتها | كثير ، وأنّ الصّادقين قليل
|
وأنّ الفتى في ذي الرّبوع عقاره | وأمواله والباقيات فضول
|
سكتّ سكوت الطّير في الرّوض بعدما | ذوى الرّوض واجتاح النّبات ذبول
|
فما هزّني إلاّ حديث سمعته | عن الغيد كالغيد الحسان جميل
|
فما أنا في هذي الحكاية شاعر | ولكن كما قال الرّواة أقول
|
فتّى من سراة النّاس، كلّ جدوده | سريّ، كريم النّبعتين، نبيل
|
قضى في ابتناء المكرمات زمانه | ينال ويرجوه السّوى فينيل
|
فدكّ مباني غزّه الدّهر بغتة | وقلّم منه الظّفر فهو كليل
|
هوى مثلما يهوي إلى الأرض كوكب | كذاك اللّيالي بالأنام تدول
|
وكان له الدّهر بطش وصولة | فأعوزه، عند البلاء، خليل
|
تفرّق عنه صحبه فكأنّما | به مرض ، أعيا الأساة ، وبيل
|
وأنكره من كان يحلف باسمه | كما ينكر الدّين القديم عميل
|
فأصبح مثل الفلك في البحر ضائعا | يميل مع الأمواج حيث تميل
|
يكاد يمدّ الكفّ لولا بقيّة | من الصّبر في ذاك الرّداء تجول
|
زوى نفسه كي لا يرى النّاس ضرّه | فيشمت قال أو يسرّ عذول
|
بدار... أناخ البؤس فيها ركابه | وجرّت عليها للخراب ذبول
|
مهدّمة الجدران مثل ضلوعه | بها اليأس ضمت والسّقام يحول
|
إذ ما تجلّى البدر في الأفق طالعا | رعاه ، إلى أن يعتريه أفول
|
حبال الأماني عند قوم شعاعه | ولكنّه في مقلتيه نصول
|
فيا عجبا حتّى النّجوم تضّلّه | وفي نورها للمدلحين دليل
|
وهل تهتدي بالبدر عين قريحة | عليها من الدّمع السّجين سدول؟
|
غفا الناس، واستولت عليهم سكينة، | فما باله استولى عليه ذهول؟
|
تأمّل في أحزانه وشقائه | فهان عليه العيش وهو جميل
|
فمدّ إلى السّكين كفا نقيّة | أبت أن يراها تستغيث بخيل
|
وقرّبها من صدره ثمّ هزّها | وكاد بها نحو الفؤاد يميل
|
وإذ شيح يستعجل الخطو نحوه | وصوت لطيف في الظّلام يقول:
|
رويدك، فالضّنك الذي أنت حامل | متى زال هذا اللّيل سوف يزول
|
نعم؛ هي إحدى محسنات نسائنا | ألا إنّ أجر المحسنات جزيل
|
أبت نفسها أن يكحل النّوم جفنها | وجفن المعنّى بالسّهاد كحيل
|
وأن تتولّى الابتسامات ثغرها | وفي الحي مكلوم الفؤاد عليل
|
فألقت إليه صرّة وتراجعت | وفي وجهها نور السّرور يجول
|
فلم تتناقل صنعها ألسن الورى | ولا قرعت في الخافقين طبول
|
لا أحسنت كي تعلن الصّحف إسمها | فتعلم جارات لها وقبيل
|
كذا فليواس البائسين ذوو الغنى | وإني لهم بالصّالحات كفيل
|
فإن القصور الشّاهقات إذا خلت | من البّر والإحسان فهي طلول
|
وخير دموع الباكيات هي التي | متى دمع البائسين تسيل!
|
ألا إن شعبا لا تعزّ نساؤه | وإن طار فوق الفرقدين ، ذليل
|
وكلّ نهار لا يكنّ شموسه | فذلك ليل حالك وطويل
|
وكلّ سرور غيرهنّ كآبة | وكلّ نشاط غيرهنّ خمول |