دبّت و قد أرخى الظّلام ستارا | و لطالما كتم الدّجى الأسرارا
|
سفن هي الأطواد لولا سيرها | أعهدتم جبلا مشى أو سارا ؟
|
كالطّير أسرابا و لكن إن عدت | تنت الرّياح و تسبق الأطيارا
|
مثل الكواكب في النّظام و إنّها | لكما الكواكب تبعث الأنوارا
|
هي كالمدائن غير أنّ نزيلها | أبدا بها يتوقّع الأخطارا
|
و أظنّها فقدت حبيبا أو أخا | و لذلك ارتدّت السواد شعارا
|
تغشى المياه لعلّ ما في قلبها | يطفى ، فتزداد الضّلوع أوارا
|
و تميد حتّى لا يشكّ بأنّها | سكرى و لم تذق السّفين عقارا
|
و تسرّ إن رأت الثّغور كأنّها | المقرور أبصر بعد جهد نارا
|
و بوارج قد سيّرت كالجحفل | الجرّار تحمل جحفلا جرّارا
|
حملت أناسا كالقرود ، و جوههم | صفراء يحكي لونها الدّينارا
|
فطس الأنوف ، قصيرة قاماتهم | هيهات لا تتجاوز الأشبارا
|
قد قادها ( طوغو ) فقاد ذلولة | تهوى الصّعاب و تعشق الأسفارا
|
في قبله نار و في أحشائها | مثل الذي في نفسه قد ثارا
|
ما زال يدفعها البخار فترتمي | كالسّهم أطلق في الفضاء فسارا
|
طورا ترها في السّحاب و تارة | في القاع يوشك جرمها يتوارى
|
حتى دنت من ثغر شمولبو الذي | جمع الألى لم يعرفوا ما صارا
|
نفر من الرّوس الذين سمعت عن | أفعالهم فيما مضى الأخبارا
|
من كلّ مغوار إذا زار الوغى | زار الحمام الفارس المغوارا
|
ما كان غير ( الفارياج ) لديهم | و سفينة أخرى أخفّ دثارا
|
قال العدوّ لهم ، و قد داناهم ، | و كفى بما وافى به إنذارا
|
" أمّا القتال فتلحقون بمن مضوا | أو تحسنون فتؤخذون أسارى "
|
كان الجواب قذائفا نارية | تهوى الورود و تكره الإصدارا
|
مثل الرّجوم إذا هوت لكنّها | لا تعرف الأخيار و الأشرارا
|
و أقلّها خطبا فكيف أشدّها | لو نالت الجبل الأشمّ انهارا
|
حفّت بهم سفن العداوة و أحدقت | حتى لدكت إخالها أسوارا
|
ما بين بارجة و طرّاد إلى | نسّافة و الكلّ يقذف نارا
|
ملأ دخانها و ذكاء | احتجبت ، و ما برح النّهار نهارا
|
و الجوّ أظلم و اكفهرّ أديمه | حتى على السّماء ستارا
|
و البحر خضّب بالدّماء و أصبحت | أمواجه و هي اللّجين نضارا
|
ذا و القنابل لم تزل منهلّة | منها تحاكي الصّيّب المدرارا
|
و المركبان " الفارياج " و أختها | في هبوة لا يعرفان قرارا
|
‘حداهما ظفرت بها مقذوفة | فكأنّ صاعقة أصابت دارا
|
فهوت بمن فيها ، و قد فتحت لها | الأمواج صدرا يكتم الأسرارا
|
هبطت وزاد هبوطها المتقاتل | ين على مداومة الوغى إصرارا
|
لكنّما الأخرى أصيب بالأذى | حتى غدت لا تملك التسيارا
|
فرأى الفتى ربّانها أن يفتدي | الجند الكرام من الممات فرارا
|
قد فرّ بعضهم و لكن جلّهم | طلبوا الفرار من الفرار خيارا
|
أودوا بها نسفا ، و ماتوا عندها | غرقا ، و يأبى الباسلون العارا
|
هذي حكايتهم أسطرها لكم | لا درهما أبغى و لا دينارا
|
فلئن أفادتكم فخير جاء من | شرّ ، و إلاّ فلتكن تذكارا |