من الفرنسيس قيد العين صورتها | عذراء قد ملئت أجفانها حورا
|
كأنّما و هبتها الشّمس صفحتها | وجها و حاكت لها أسلاكها شعرا
|
يد المنيّة طاحت غبّ مولدها | بأمّها ، و أبوها مات منتحرا
|
في قرية من قرى باريس ما صغرت | عن الفتاة و لكن همّها كبرا
|
و النّفس تعشق في الأهلين موطنها | و ليس تعشقه يحويهم حفرا
|
و تعظم الأرض في عينيك محترما | و ليس تعظم في عينيك محتقرا
|
فغادرتها و ما في نفسها أثر | منها و لا تركت في أهلها أثرا
|
إلى التي تفتن الدّنيا محاسنها | و حسن من سكنوها يفتن البشرا
|
إلى التي تجمع الأضداد دارتها | و يحرس الأمن في أرجائها الخطرا
|
إذا رآها تقيّ ظنّها " عدنا " | و إن رآها شقيّ ظنّها " سقرا "
|
تودّ شمس الضّحى لو أنّها فلك | و الأفق لو طلعت في أوجه قمرا
|
و الغرب لو كان عودا في منابرها | و الشّرق لو كان في جدرانها حجرا
|
في كلّ قلب هوى كأنّ له | في أهلها صاحبا ، في أرضها وطرا
|
( باريس ) أعجوبة الدّنيا و جنّتها | وربّة الحسن مطروقا و مبتكرا
|
...
|
حلّت عليها فلم تنكر زخارفها | فطالما أبصرت أشباهها صورا
|
و لا خلائق أهليها وزيّهم | فطالما قرأت أخلاقهم سيرا
|
و إنّما أنكرت في الأرض وحدها | كذلك الطّير إما فارق الوكرا
|
يتيمة مالها أم تلوذ بها | و لا أب إن دعته نحوها حضرا
|
غريبة يقتفيها البؤس كيف مشت | ما عزّ في أرض " باريس " من افتقرا
|
مرّت عليها ليال و هي في شغل | عن سالف الهمّ بالهمّ الذي ظهرا
|
حتّى إذا عضّها ناب الطّوى نفرت | تستنزل الرّزق فيها الفرد و النّفرا
|
تجني اللّجين الباذلوه لها | من كفّها الرود منظوما و منتثرا
|
لا تتّقي الله فيه و هو في يدها | و تتّقي فيه فوق الوجنة النّظرا
|
تغار حتّى من الأرواح سارية | فلو تمرّ قبول أطرقت خفرا
|
أذالت الورد قانية و أصفره | كيما تصون الذي في خدّها نضرا
|
حمته عن كلّ طرف فاسق غزل | لو استطاعت حمته الوهم و الفكرا
|
تضاحك لا زهرا و لا لعبا | و تجحد الفقر لا كبرا و لا أشرا
|
فإن خلت هاجت الذكرى لواعجها | فاستنفدت طرفها الدمع الذي اذّخرا
|
...
|
تعلّقته فتى كالغصن قامته | حلو اللّسان أغرّ الوجه مزدهرا
|
وهام فيها تريه الشمس غرّتها | و الفجر مرتصفا في ثغرها دررا
|
إذا دنا رغبت لا يفارقها | و إن نأى أصبحت تشتاق لو ذكرا
|
تغالب الوجد فيه و هو مقترب | و تهجر الغمض فيه كلّما هجرا
|
كانت توقّى الهوى إذ لا يخامرها | فأصبحت تتوقّى في الهوى الحذرا
|
قد عرّضت نفسها للحبّ واهية | فنال الهوى الجبّار مقتدرا
|
و الحبّ كاللّص لا يدريك موعده | لكنّه قلّما ، كالسّارق ، استترا
|
...
|
و ليلة من ليالي الصّيف مقمرة | لا تسأم العين فيها الأنجم الزهرا
|
تلاقيا فشكاها الوجد فاضطربت | ثمّ استمرّ فباتت كالذي سحرا
|
شكا فحرّك بالشّكوى عواطفها | كما تحرّك كفّ العازف الوترا
|
وزاد حتّى تمنّت كلّ جارحة | لو أصبحت مسمعا أو أصبحت بصرا
|
ران الهيام على الصّبّين فاعتنقا | لا يملكان النّهى وردا و لا صدرا
|
" كان ما كان ممّا لست أذكره " | تكفي الإشارة أهل الفطنة الخبرا
|
...
|
هامت به و هي لا تدري لشقوتها | بأنّها قد أحبّت أرقما ذكرا
|
رأته خشفا فأدنته فراء بها | شاة فأنشب فيها نابه نمرا
|
ما زال يؤمن فيها غير مكترث | بالعاذلين فلمّا آمنت كفرا
|
جنى عليها الذي تخشى ، و قاطعها | كأنّما قد جنت ما ليس مغتفرا
|
كانت و كان يرى في خدّها صعرا | عنه فباتت ترى في خدّه صعرا
|
فكلّما استعطفته ازور محتدما | و كلّما ابتسمت في وجهه كشرا
|
قال النّفار و " فرجيني " على مضض | تجرّع الأنقعين : الصّاب و الصّبرا
|
...
|
قالت ، و قد زارها يوما ، معرّضة | متى ، لعمرك ، يجني الغارس الثّمرا ؟
|
كم ذا الصّدود ، و لا ذنب جنته يدي | أرجو بك الصّفو لا أرجو بك الكدرا
|
تركتني لا أذوق الماء من ولهي | كما تركت جفوني لا تذوق كرى
|
أشفق عليّ و لا تنس وعودك لي | فإنّ ما بي لو بالصّخر لانفطرا
|
أطالت العتب ترجو أن يرقّ لها | فؤاده فأطال الصّمت مختصرا
|
و أحرجته لأنّ الهمّ أحرجها | و كلّما أحرجته راغ معتذرا
|
و ضاق ذرعا بما يخفى لها | إلى م ألزم فيك العيّ و الحصرا
|
أهواك صاحبة ... أمّا اقترانك بي | فليس يخطر في بالي و لا خطرا
|
أهوى رضاك و لكن إن سعيت له | أغضبت نفسي و الدّيّان و البشرا
|
عنيت مالي من قلبين في جسدي | و ليس قلبي إلى قسمين منشطرا
|
تطالبني فؤادي و هو مرتهن | في كفّ غيرك ، رمت المطلب العسرا
|
يكفيك أنّي فيك خنت إمرأتي ! | و لم يخن قلبها عهدي و لا خفرا
|
قد كان طيشا هيامي فيك بل نزفا | و كان حبّك ضعفا بل خورا
|
قالت متى صرت بعلا ؟ قال من أمد | لا أحسب العمر إلاّه و إن قصرا
|
يا هول ما أبصرت يا هول ما سمعت | كادت تكذّب فيه السّمع و البصرا
|
لولا بقيّة صبر في جوانبها | طارت له نفسها من وقعة شذرا
|
يا للخيانة ! صاحت و هي هائجة | كما تهيّج ليث بابنه و ترا
|
الآن أيقنت أنّي كنت واهمة | و أنّ ما كلّ برق يصحب المطرا
|
و هبت قلبك غيري و هو ملك يدي | ما خفت شرعا و لا باليت مزدجرا
|
ليست شرائع هذي الأرض عادلة | كان الضّعيف و لا ينفكّ محتقرا
|
قد كنت أخشى يد الأقدار تصدعنا | و كان أجدر أن أخشاك لا القدرا
|
و صلتني مثل الشمس الأفق ناصعة | و عفتني مثل جنح اللّيل معتكرا
|
كما تعاف السّراة الثّوب قد بليت | خيوطه و الرّواة المورد القذرا
|
خفت الأقاويل بي قد نام قائلها | هلّا خشيت انتقامي و هو قد سهرا
|
يا سالبي عفّتي من قبل تهجرني | أردد عليّ عفافي واردد الطّهرا
|
هيهات ما من عفّتي عوض | لاح الرّشاد و بان الغيّ وانحسرا ...
|
...
|
و أقبلت نحوه تغلي مراجلها | كأنّها بركان ثار و انفجرا
|
في صدرها النّار ، نار الحقد ، مضرمة | لكنّما مقلتاها تقذف الشّررا
|
و أبصر النّصل تخفيه أناملها | فراح يركض نحو الباب منذعرا
|
لكنّها عاجلته غير وانية | بطعنة فجّرت في صدره نهرا
|
فخرّ في الأرض جسما لا حراك به | لكنّ " فرجين " ماتت قبلما احتضرا
|
جنّت من الرّعب و الأحزان فانتحرت | ما حبّت الموت لكن خافت الوضرا
|
...
|
كانت قبيل الرّدى منسيّة فغدت | بعد الحمام حديث القوم و السّمرا
|
تتلو الفتاة عظات في حكايتها | كما يطالع فيها النّاشيء العبرا |