أنا لست في دنيا الخال و لا الكرى | و كأنّني فيها لروعة ما أرى
|
يا قوم هل هذي حقائق أم رؤى | و أنا ؟ أصاح أم شربت مخدّرا ؟
|
لا تعجبوا من دهشتي و تحيّري | و تعجّبوا إن لم أكن متحيرا
|
كيف التفتّ رأيت آية شاعر | لبق تعمّد أن يجيد ليبهرا
|
مسحت بإصبعها الحياة جفونه | فرأى المحاسن ، فانتقى و تخيّرا
|
ما " لوس انجلوس " سوى أنشودة | الله غنّاها فجنّ لها الورى
|
خلع الزّمان شبابه في أرضها | فهو اخضرار في السفوح و في الذرى
|
أخذت من المدن العواصم مجدها | و جلالها ، و حوت حلاوات القرى
|
هي واحة للمتعبين ، و جنّة | للعاشقين ، و ملعب لذوي الثرى
|
كفّنت في نيويورك أحلام الصبا | و طويتها ، و حسبتها لن تنشرا
|
لكنّني لمّا لمحت زهورها | شاهدت أحلامي تطلّ من الثرى
|
تتنفّس الهضبات في رأد الضّحى | تبرا ، و في الآصال مسكا أذفرا
|
فالسّحر في ضحك النّدى مترقرقا | كالسّحر في رقص الضّياء معطّرا
|
قل للألى و صفوا الجنان و أطنبوا | ليست جنان الخلد أعجب منظرا
|
كلّ الفصول هنا ربيع ضاحك | فإذا ترى شهرا رأيت الأشهرا
|
إن كنت تجهل ما حكايات الهوى | فاتنصت لوشوشة النّسيم إذا سرى
|
وانظر إلى الغبراء تنبت سندسا | و تأمّل الغدران تجري كوثرا
|
و اشرب بعينيك الجمال فإنّه | خمر بغير يد الهوى لن تعصرا
|
حاولت وصف جمالها فكأنّني | ولد بأنمله يحوش الأبحرا
|
و استنجدت روحي الخيال فخانني ، | و كبا جواد فصاحتي و تعثّرا
|
أدركت تقصيري وضعفي عندما | أبصرت ما صنع الإله وصورا
|
إنّي شهدت الحسن غير مزيّف | بئس الجمال مزيفا و مزوّرا
|
أحببت حتّى الشوك في صحرائها | و عشقت حتى نخلها المتكبّرا
|
أللابس الورق اليبيس تنسكا | و المشخرّ إلى السماء تجبّرا
|
هو آدم الأشجار أدركه الحيا | لمّا تبدّى عرية فتسترا
|
إبن الصحارى قد تحضّر و ارتقى | يا حسنة متبديا متحضرا
|
و قفت ترقبه ليلة | مثل حظّ الأدباء الشّعرا
|
تكتم الظّلماء من لألأها | أيّ بدر في الظلام استترا ؟
|
أرسلت نحو لفتة | أذكرت تلك الدّراري القمرا
|
و إذا بالبدر قد مزّق عن | وجهه برقعه ثمّ انبرى
|
فأضاء الجوّ و الأرض معا | نوره الفضّيّ لمّا ظهرا
|
فرنت عن فاتر و ابتسمت | عن نظيم قد أكنّ الدّررا
|
ثمّ يا حبيبي مرحبا | لا رآك الطّرف إلاّ نيّرا
|
قف قليلا أو كثيرا معسى | نورك الباهر يجلو البصرا
|
إن تغب فالصّبح عندي كالدّجى | و الدّجى إن جئت بالصّبح ازدرى
|
لم تحبّ السّير ليلا فإذا | ذرّ قرن الشّمس عانقت الكرى ؟
|
أتخاف الشمس أم أنت كذا | تعشق اللّيل و تهوى السهرا ؟
|
ثمّ ناجت نفسها قائلة | أترى أبلغ منه وطرا ؟
|
ليت لي أجنحة بل ليتني | نجمة أتبعه أنّى سرى
|
و همّ البعض فقالوا درهم | ما أرى الدّرهم إلاّ حجرا
|
و لقد أضحكتي زعمهم | أنّه يشبه في الحجم الثّرى
|
زعموا ما زعموا لكنّما | هو عندي لعبة لا تشترى
|
و بدت غياض البرتقال فأشبهت | جلباب خوذ بالنضار مزرّرا
|
من فوقها انتشر الضذياء ملاءه | من فوقه جوّ صفا و تبلورا
|
و كأنّما تلك القصور على الربى | عقد لغانية هوى و تبعثرا
|
لمّا تراءت من بعيد خلتها | سفنا ، و خلت الأرض بحرا أخضرا
|
نفض الصّباح سناه في جدرانها | و أتى الدّجى فرأى مناثر للسرى
|
متألّقات كابتسامات الرّضى | تنسيك رؤيتها الزّمان الأعسرا
|
أنا شاعر ما لاح طيف ملاحة | إلاّ و هلّل للجمال و كبّرا
|
وزعت نفسي في النفوس محبّة | لا شاكيا ألما و لا متضجّرا
|
و مشيت في الدنيا بقلب يابس | حتّى لقيت أحبّتي فاخضوضرا
|
قد كنت أحسبني كيابا ضائعا | فإذا أنا شخص يعيش مكرّرا
|
فكأنّي ماء الغمام إذا انطوى | في الأرض ردّته نباتا مثمرال
|
ما أكرم الأشجار في هذا الحمى | فيها لقاصدها البشاشة و القرى
|
تقري الفقير على خصاصة حالة | كرما ، كما تقري الغنيّ لموسرا
|
ألبذل ديدنها سواء جئتها | متقدّما أم جئتها متأخّرا
|
فكأنّها منكم تعلّمت الندى | كما تغيث الناس إن خطب عرا |