ديوان الشاعر : البحتري
أعَنْ سَفَهٍ، يَوْمَ الأُبَيْرِقِ، أمْ حِلْمِ وُقُوفٌ برَبْعٍ، أوْ بُكَاءٌ على رَسْمِ؟
وَمَا يُعْذَرُ المَوْسُومُ بالشّيبِ أنْ يُرَى مُعَارَ لِبَاسٍ للتّصَابي، وَلا وَسْمِ
تُخَبّرُني أيّاميَ الحُدْثُ أنّني تَرَكتُ السّرُورَ، عندَ أيّاميَ القُدْمِ
وأُوْلِعْتُ بالكِتْمانِ، حتّى كأنّني طُوِيتُ على ضِغْنٍ منَ الدّينِ أوْ وَغْمِ
فإنْ تَلْقَني نِضْوَ العِظَامِ، فإنّها جَرِيرَةُ قَلبي مُنذُ كُنْتُ على جسمي
وَحَسبيَ منْ بُرْءٍ تَمَاثُلُ مُثْخَنٍ منَ الحُبّ يُنمي مُدّرِيهِ وَلاَ يُصْمي
إذا رَاجَعَتْ وَصْلاً على طُولِ هِجْرَةٍ تَرَاجَعتُ شَيئاً من بَلاَيَ إلى سُقمي
وقد زَعَمَتْ أنْ سَوْفَ يَنجحُ ما وَأتْ، وَظَنّي بها الإخلافَ في ذلكَ الزّعْمِ
خَليلَيّ! ما في لا شفَاءٌ من الجَوَى، وَلاَ نِعَمٌ مَرْجُوّةُ النُّجحِ، من نُعْمِ
أعِينَا عَلى قَلْبٍ يَهيمُ صَبَابَةً، وَعَينٍ، إذا نَهْنَهْتُها طَفِقَتْ تَهْمي
حَنَتْ مَذْحِجٌ حَوْلي، وَبَاتَتْ عَمائرٌ، تُدافعُ دُوني منْ عَرَانينهَا الشُّمّ
وَمَا خَفَضَتْ جِدّاتُ بَكْرٍ أُرُومَتي، وَلاَ عَطّلَتْ من رِيشِ أحسابها سَهمي
وإنّي لَمَرْفُودٌ، عَلَى كُلّ تَلْعَةٍ، بنَصرِ ابنِ خال يَحملُ السّيفَ أوْ عَمّ
وَما أبهَجَتْني كَبوَةُ الجَحشِ إذْ كَبَا لفيهِ، لوَ إنّ الجَحشَ أقلَعَ عن ظلمي
وَقد هُديَ السّلطانُ للرُّشدِ، إذْ نَبَا بأغْثَرَ منْ أوْلآدِ قُطْرُبَّلٍ، فَدْمِ
إذا عَارَضَتْ دُنياهُ في جَنبِ رَأيِهِ، شَهدتُ بأنّ الجَهلَ أحظى من العلمِ
وقَد أقترَ المَلعُونُ يَبْساً، وعنْدَهُ ذَخائرُ كسرَى أوْ زُها مالهِ الجَمّ
إذا المَرْءُ لمْ يَجْعَلْ غِناهُ ذَرِيعَةً إلى سُؤدَدٍ فاعدُدْ غناهُ من العُدْمِ
وَسيطُ أخسّاءِ الأُصُولِ، كأنّمَا يُعَلّونَ نَاجُودَ المُدامَةِ بالذّمّ
خُلُوفُ زَمَانِ السّوءِ لمْ يُؤِْثروا العُلاَ، وَلَمْ يَنزِلُوا للمَكْرُمَاتِ على حُكْمِ
وَقَد رُفعَتْ عن نَجرِهمْ آيةُ النّدَى، كمَا رُفعَتْ، مَنسيّةً، آيةُ الرَّجْمِ
تأبّاهُمُ نَفْسِي، وَتَقْبُحُ فيهمِ ظُنُوني، وَيَعلو عن مَقادِيرِهمْ همي
فَلَوْلا أبُو الصّقْرِ الأغَرُّ وَجُودُهُ، رَضِيتُ قَليلي، واقتصرْتُ على قِسمي
هُوَ المِصْقَليُّ، في صِقَالِ جَبينِهِ جَلاءُ الظّلامِ حينَ يَسدُفُ وَالظّلمِ
بهِ نلتُ من حَظّي الذي نلْتُ أوّلاً، وأدرَكتُ ما قد كنتُ أدركتُ منْ خصْمي
تَصُدُّ بَنَاتُ الدَّهْرِ عَنْ بَغَتاتِ ما يُنِيلُ صُدُودَ الدَّهْمِ فُوجِىءَ بالدَّهْمِ
وَيَعْرِفُني مَعرُوفُهُ، حينَ مَعشَرٌ يَرَوْنَ عُقُوقَ المَالِ أنْ يَعلَمُوا علمي
مَوَاهبُ لا تَبغي ابنَ أرْضٍ يَدُلُّهَا عَليّ، وَلا طَبّاً يُخَبّرُها باسمي
إذا وَعَدَ ارْفَضّتْ عَطَاءً عِداتُهُ، وأعرِفُ منهُمْ من يَحُزُّ ولا يُدمي
ومَا كَشَفَتْ منهُ الوِزَارَةُ أخرَقَ اليَـ ـَدَيْنِ على الجُلّى وَلا طائشَ السّهمِ
كَثيرُ جهاتِ الرّأيِ، مُفتَنّةٌ بهِ، إلى عَدَدٍ لا يَنْتَهِي، صُوَرُ الحَزْمِ
فَرُوعُ الثّنَايَا، ما يَغُبُّ فِجَاجَهَا، تَطَلُّعُ مَضّاءٍ على أوّلِ العَزْمِ
مَتى يَحْتَملْ ضِغناً على القَوْمِ يجنحوا إلى السّلمِ إنْ نجّاهُمُ الجَنْحُ للسّلْمِ
وَلَوْ عَلمُوا أنّ المَنايا تُنِيلُهُمْ رِضَاهُ، إذاً بَاتُوا نَدامَى على السّمّ
أخوُ البِرّ أقصَى ما يَخَافُ مُنَازِلاً، من السّيفِ، أدْنَى ما يَخافُ من الإثمِ
وَلَمْ يَنتَسِبْ من وَائلٍ في وَشيظَةٍ، وَلاَ بَاتَ منها ضَارِبَ البيتِ في صُرْمِ
أَبُوك الَّذي غَالَى عَلِيًّا مُسَاوِماً بِسَامَةَ لما رَدَّ سامَةَ في جرْمِ
ولَوْلا يَدٌ مِنْهُ لَصَاحَ مُثَوِّبٌ عَلَى عُجُزٍ وُقِّفْنَ فِي مَجْمَعِ القَسْمِ
فَمنْ يَكُ مِنهَا عارِياً فقدِ اكْتَسَى بها الجَهْمُ بَزًّا ظاهِراً وبَنُو الجَهْمِ
وَما أَنتَ عِنْدَ العَاذِلاَتِ على النَّدَى بمُنْتَظِرِ العُتْبَى وَلاَ هَيِّنِ الجُرْمِ
كأنّ يَداً لمْ تْحلُ منكَ بطَائِلٍ، يَدُ الأرْضِ، رَدّتها السّماءُ بلا شَكمِ
كأنكَ من جِذْمٍ من النّاسِ مُفرَدٍ وَسائرُ مَن يأتي الدّنيّاتِ من جِذْمِ
وَكمْ ذُدْتَ عَنّي من تَحاملِ حادثٍ، وَسَوْرَةِ أيّامٍ حَزَزْنَ إلى العَظْمِ
كأنا عَدُوّا مُلْتَقًى ما تَقَارَبَتْ بنا الدّارُ إلاّ زَادَ غُرْمُكَ في غُنمي
أُحَارِبُ قَوْماً، لا أُسَرُّ بسُوئهمْ، وَلكنّني أرْمي منَ النّاسِ مَنْ ترْمي
يَوَدُّ العِدَى لَوْ كنتَ سالكَ سُبْلهمْ، وأينَ بناءُ المُعلياتِ منَ الهَدْمِ
وَهَلْ يُمكنُ الأعْداءَ وَضْعُ فضِيلَةٍ وَقد رُفعَتْ للنّاظِرينَ معَ النّجْمِ