بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... :
أوجبالإسلام علىالمسلم الحق أن يكون ذا ضمير يقظ يتصف بالأمانة ، ويصون الحقوق حق الله ،
وحق الناس ، أي يكون أميناً في عمله غير مفرط فيه ولهذا أوجب عليـه الأمانة .
والأمانة كلمة واسعة الدلالة فى التشريع الإسلامي ، فهى إدراك قوى من الإنسان بمسئوليته الكاملة أمام الله فى كل أمر يوكل إليه من قول أو عمل ما ،
قال أبن عمر رضى الله عنهما : ( سمعت رسول الله "صلى
الله عليه وسلم" قال : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمام راع
ومسئول عن رعيته ، والرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة فى
بيتها راعية وهى مسئولة عن رعيتها ، والخادم فى مال سيده راع وهو مسئول عن
رعيته )
وعامة الناس يفهم مدلول الأمانة بمعناها الضيق وهو حفظ وديعة معينة لديهم سواء كانت أموال أو نفائس أخرى ،
ولكنالأمانة ملولها فى الشارع أوسع من ذلك وأعمق ، والأمانة هى فريضة على المسلمون يتواصون بها ويســـتعينون بالله على حفظـــها
مثال ذلك حينما نكون على ســـفر نقول :
( نستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه )
ونقول أيضاً ( أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك )
والرسـول "صلى الله عليه وسلم" فى أحاديثه الشريفة كان يوصى المسلم على الأمانة ، وهو القدوة الواضحة فىالأمانة في عهد الجاهلية .
ويقول "صلى الله عليه وآله وسلم" :
( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا دين له ، وإن شقاء العيش وسوء النقلب هو أسباب من عدم التمسك بفريضة الأمانة ، وعدم الأمانة هو خيانة ، والخيانة ضياع للدين والدنيا ) .
فرسولنا الكريم "صلى الله عليه وآله وسلم" فى الجاهلية قبل إنتشار الإسلام ، وقبل الفتح كان يطلق عليه قومه " الأمين " لما له من مسئولية أمام ربه فى إدراك المعنى الجازم بالأمانة .
كذلك
نبى الله موسى ( عليه الصلاة والسلام ) قبل أن ينبأ حينما قام بالسقاية
لأبنتى الرجل الصالح كان معهم أميناً متمسكاً بعفة المسلم الحق الشريف ،
وترفق بهما وسقا لهما ، ثم إستراح فى الظل ، قال الله تعالى : "
فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت إلىً من خير فقير ،
فجاءته إحداهما تمشى على إستحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ماسقيت لنا ،
فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، قالت
إحداهما يأبت إستأجره إن خير من إستأجرت القوى الأمين " .
فبالرغم من شدة الفقر والغربة ، ومطاردة الظالمين له لكن تمسك بالفضيلة والأمانة ، وعرف حق الله ، وعرف حق العباد ، هذا هو جوهر الأمانة فى التشريع .
والأمانة لما لها من معنى ومدلول كبير فى التشريع ؛ فكان إختيار الله لرسله الكرام ممن يتصفون بالأمانة والقوة والفضيلة والشرف وعزة النفس ، معتصمين بحبل الله المتين .
والأمانة فى الآخرة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها
وأدى الذى عليه فيها ، وصلاح النفس لا يكون بالعلوم فقط ، وبالسيرة الطيبة
، وحسن الإيمان ! ولكن يكون بالتأهل لإدارة الشئون والأعمال ؛ أى أن نصطفى
أخير الناس فى القيام بالأعمال دون الميل لهوى أو وساطة قرابة أو رشوة
فهذه تكون خيانة للأمانة .
قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم :
" ( من أستعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ) ،
وقال " صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً :
( من ولى من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم ) .
والأمة التى تضيع الأمانة فيها هى الأمة التى تطيش بها الأقدار
، ودل رولنا الكريم على هذا بأنه من مظاهر الفساد فى الأرض ن وأنه من
علامات قيام الساعة ، وجاء رجل يسأل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال :
متى تقوم الساعة ؟ فقال له صلى الله عليه وسلم : إذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة ! فقال : وكيف إضاعتها يارسول الله ؟ قال : إذا وكل الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة .
والأمانة الحرص على أداء واجب العمل ، وأداء الإحسان فيه ، وليس أكبر خيانة ولا أسوء عاقبة من المرء الذى يتولى أمور العامة فنام عنها حتى أضاعها .
ومن الأمانة ألا يستغل المرء مركزه لمنفعة شخصية له أو لأقربائه ، وقد قال "صلى الله عليه وسلم" :
( من إستعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعده فهو غلول )
، وقال الله تعالى : " ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة ، ثم توفى كل نفس ماكسسبت وهولا يظلمون ) آل عمران 161 .
وأكرم مثال على الأمانة سيدنا
يوسف الصديق الأمين عليه السلام حين رشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته
وعلمه قال الله عز وجل : " قال أجعلنى على خزائن الأرض أنى حفيظ عليم "
يوسف 55
والمسلم الذى يأخذ الحق ويعطى الحق كالمجاهد فى سبيل الله : وهناك أيضاً مدلول للأمانة فى الجوارح التى أنعم بها الله علينا ، فجميع حواسنا يجب أن نسخرها بأمانة ، وأولادنا أيضاً أمانة يجب أن ندرك أنها ودائع من الله نصونها ونسخرها لله وفى الله ، وأموالنا أمانة لدينا يجب أن ننفقها فى مرضاة الله ، ولا نفتن بها عن طاعة الله أو عبادته ، ولانستقوى بها على خلق الله أو على القيام بالمعاصى ،
قال تعالى : " ياأيها
الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ،
وإعلمووا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم "
الأنفال 27 – 28
ومن الأمانة أيضاً حفظ الأسرار التى يأتمنها الناس لدينا ، وعدم ترك الللسان فى أن يفشى أسرار العباد ، وأيضـاً الأمانة بين المرء وزوجه قال "صلى الله عليه وسلم " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضى إلى أمرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها .
ونأتى فى مفهوم الأمانة عند العوام من الناس وهى أمانة الودائع
فيجب الحفاظ عليها وردها إلى أصحابها عند طلبها . ، ونكون فى ذلك نقتدى
برسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" حينما هاجر وترك ودائع المشركين لـ
على بن ابي طالب - رضوان الله تعالى عليه - ليسلمها نيابة عنه إليهم وهم
اللذين أضطروه إلى ترك وطنه .
وقال تعالى : " أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا "
الأحزاب 72 .
ومن
هذه الآيه نستخلص أن الذين غلبهم الظلم والجهل خانوا أماناتهم فحق عليهم
عقاب الله ولكن أهل الإيمان والأمانة هو أهل التقوى وأهل المغفرة ، ومن هنا
تكون السعادة القصوى أن يوقى الإنسان شر عذاب النفاق مع الله فى الآخرة
وشر شقاء العيش فى الدنيا أولاً .