{ .... لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ...}
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، اللهمَّ صلِّي على عبدكَ ونبيكَ وخليلكَ الناطقِ بوحيكَ ، والذي جعلتهُ لسان الصِّدقِ الأبدي ، سيدّنا مُحَمَّد وعلى آلهِ وأزواجهِ وذريِّتهِ وباركْ وسلِّم , كما تحبهُ وترضاهُ آمين.
وبعد :-
فتفضلوا معي أيها الأكارم ، للاطلاع على هذه النفحات المباركة ، منْ معجزاتِ القرآنِ العظيمِ ، والتي تفضل بها الباحث الأستاذ الدكتور : [ علي أحمد علي الشحات] ، غفرَ اللهُ تعالى لهُ ولولديهِ ، ولنا ولوالدينا ، ولجميعِ المسلمينَ آمين.
اللبن
لقد جاء في الصحيح ، عنْ الرسول ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ قال في حديث الاسراء والمعراج : [[ ... فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ .... ]] (رواهُ مسلمٌ ) ، من ذلك نرى أن جبريل ـ عليه السلام - عرض الإناءين ، على النَّبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ فاختار الرسول ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ { اللبن } وأعرض عن { الخمر } فقال له جبريل - عليه السلام : اخترت الفطرة ، التي فطر الله الناس عليها ، ولقد شاء المولى - جلَّ شأنه - أنْ يتغذى الرُضَّع الصغار ، { باللبنِ } قبل إعطائهم ، أي غذاء آخر ، وهذا يدل على أنَّ { اللبنَ } ذو قيمة غذائية مرتفعة ، ويفي بالاحتياجات الغذائية ، في شكل ملائم ونسب متّزنة ، وأقرب إلى الكمال ، من أي غذاء آخر ، والحقيقة أنَّ { اللبن } أكمل الأغذية من الناحية البيولوجية ، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية ، ولكنْ رغم ذلك ، يُعدُّ أفضل من أي غذاء منفرد وحيد ، ولا توجد أي مادة غذائية أخرى ، يمكن أن تقارن مع { اللبن } من حيث قيمته الغذائية المرتفعة ؛ وذلك لاحتوائه ، على المواد الغذائية الأساسية الضرورية ؛ التي لا يستغني عنها جسم الإنسان ، في جميع مراحل نموه وتطوره ، فـ { اللبن } يُعَدّ من أحسن الأغذية للأطفال والناشئين ، والبالغين والمسنّين ، على السواء ، فعلاوة على أنه ينفع الصغار في حياتهم المقبلة ويكسبهم مناعة ضد كثير من الأمراض ؛ فإنه أيضًا يفيد الكبار كثيرًا ، لقيمته الغذائية المرتفعة ، ويُعَّد { اللبن } ومنتجاته ، من المواد الغذائية الضرورية ، المهمة للإنسان ، في معظم بلاد العالم ، فحيث يستعمل ، سكان خط الاستواء ، في الجنوب { ألبان الماعز والإبل } في غذائهم ؛ نجد أنَّ { لبن الغزلان } يستعمله سكان الإسكيمو في الشمال ، و { لبن الخيول } يستعمل في آسيا ، و{ لبن الجاموس } يشربه سكان أفريقيا ، وشبه القارة الهندية ، ولكنْ يلاحظ أنَّ الاستعمال إنما هو الشائع { لألبان البقر والغنم } في معظم بلاد العالم ، ومع أنَّ { ألبان } الأنواع المختلفة من الحيوانات ، تحتوي على نفس العناصر ، ولكن تختلف في نسبها وخواصّها.
القيمة الغذائية { للبن } :أصبح منْ المعروف حاليٌّا ، في علوم التغذية ، أن هناك مواد غذائية أساسية للصحة الجيدة والقوَّة والنشاط والحيوية ، لا يستغني عنها الإنسان ، في جميع أطوار حياته ، وهذه المواد هي :
البروتينات : ومنْ أهم فوائدها : بناء العضلات والأنسجة الجديدة.
الكربوهيدرات : مثل النشويات ، السكريات ، وهي التي تمد الجسم بالحرارة والنشاط.
الدهون : التي تختزن في الأنسجة الحية ، وتمد الجسم أيضًا بالحرارة.
المعادن : وهي عناصر مهمة ، لتكوين العظام والأسنان ، ولأداء وظائف الجسم الحيوية بانتظام.
الفيتامينات : وهي مواد مهمة للحياة والنمو والوقاية ، من كثير من الأمراض ،و أيضًا هي مركبات تسمح بتمثيل مواد الغذاء الأخرى.
الماء : الذي يعمل كمذيب وحامل للمواد الغذائية بالجسم.
العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة { للبن} :يمد { اللبن }جسم الإنسان ، بمجموعة كبيرة جدٌّا ، من هذه العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة ، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية :
1 ـ يعد { اللبن } موردًا مُهِمٌّا ، وجيدًا للبروتينات ذات القيمة الغذائية المرتفعة ، وتمــــد بروتينات { اللبن }جســـم الإنســــان بالأحماض الأمينية الأساسية ــ بمقادير وتركيزات مرتفعة ــ ذلك بالإضافة إلى أنه ، قد ثبت : أن بروتينات { اللبن }غنية بالفوسفور ، الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم من القناة الهضمية ، وبالتالي يستفيد الجسم من الكالسيوم ، هذا علاوة على ، أنَّ { اللبن } ذاته غني أيضًا بالكالسيوم ، لذا فإن الأطفال والبالغين ، الذين يتناولون اللبن في غذائهم ، لا تظهر عليهم أعراض ، أمراض لين العظام والكساح أوضعف تكون الأسنان.
2 ـ توجد الأحماض الدهنية ، في { اللبن } بنسبة دقيقة جدٌّا ، بحيث يسهل هضمها وتمثيلها في الجسم ، ويحتوي دهن { اللبن }على كثير من المواد الحيوية المهمة مثل : الأحماض الدهنية الأساسية ، والفيتامينات الذائبة في دهن { اللبن } ، والمركبات الدهنية الفوسفاتية ، كذلك تعتبر النسبة بين الدهن والسكر ، في { اللبن } مهمة جدٌّا ؛ إذ إنها تنشط نمو البكتريا النافعة بالأمعاء.
3 ـ يقتصر وجود اللاكتوز على { اللبن } فقط ، ويمتاز سكر{ اللبن } ( اللاكتوز ) ، عن غيره ، منْ الكربوهيدرات الأخرى ، بقدرته على التخمر ، الذي يعد ، ذا أهمية نافعة في التغذية ، كما أنه يؤثر ، على غشاء المعدة المخاطي نظرًا لقلة ذوبانه ، كذلك فإنَّ احتواء سكر { اللبن } على سكر ( الجالاكتوز ) يزيد منْ أهميته ، إذ يعتبر هذا السكر ، أساس تكوين ( الجالاكتوز ) ، في أغشية المخ والخلايا العصبية ، أيضًا ينفرد سكر { اللبن } بقدرته ، على تنشيط نمو أنواع مفيدة من بكتريا حمض اللاكتيك ، والتي يمكن أن تحل ، محل بعض البكتريا التعفنية ، في القناة الهضمية ، كما يساعد الحامض المتكون ــ نتيجة نشاط الميكروبات النافعة ــ على تمثيل وامتصاص الكالسيوم وبعض المعادن الأخرى.
4 ـ يعد { اللبن } ، مصدرًا مُهِمٌّا ، لكثير من الفيتامينات ، وهي مواد تساعد على الاستفادة ، من الغذاء والوقاية من الأمراض ، وتوجد بعض فيتامينات { اللبن } ذائبة في الدهن ، وهي [ فيتامينات أ ، د ، هـ ، ك ] ، والبعض الآخر ، ذائبا في ماء { اللبن }: وهي [ فيتامينات ب1 ، ب2 ، ج ] ، وكذلك [ الكولين] .
5 ـ يكوّن الماء ، ما يقرب من ( 85 ـ 90 % ) من { ألبان } الثدييات المختلفة ، وبعض مكونات { اللبن } ، إما ذائبة في الماء ، مثل بعض الفيتامينات والأنزيمات واللاكتوز ، أو على صورة معلّقة بالماء ، مثل حبيبات الدهن أو جزيئات الكيزين ، والماء له دور مهم وحيوي ، في حياة الإنسان ، حيث : إنَّ له وظائفه الفسيولوجية ، في الجسم الإنساني ، فهو على سبيل المثال يكون حوالي ( 85 ـ 92 % ) من دم الثدييات المختلفة ، كما أنَّ الكثير ، من أنسجة الجسم تحتوي على الماء ، و أيضًا فإنه ينظم درجة حرارة الجسم ، كذلك فالماء ، هو الوسط المناسب ، لانتشار وتأيّن العناصر المختلفة بالجسم ، كما أنه الوسط المناسب ، للتفاعلات المختلفة وعمليات الهضم والهدم والبناء التي تحدث في الجسم.
6 ـ يعتبر { اللبن } ، مصدرًا مُهِمٌّا ، من مصادر فيتامين ( أ ) الذي يعد مُهِمٌّا جدٌّا ، في حياة الإنسان ، حيث يوجد هذا الفيتامين بنسبة كبيرة في { اللبن } ، ذلك بالإضافة إلى ، مادة الكاروتين ، التي تتحول إلى فيتامين ( أ ) في الجسم بواسطة الأكسدة ، ومنْ أهم فوائد فيتامين ( أ ) أنهُ ، ضروري جدٌّا للنمو ، ولقد أثبتت التجارب الحديثة ، التي أجريت على الفئران ، أنَّ نقصَ هذا الفيتامين ، يسبب وقف نموها ثم موتها ، كذلك فإن فيتامين ( أ ) ، مهم جدٌّا في عملية الإبصار ، ويعرف هذا الفيتامين ، باسم الفيتامين المضاد ( للرمد الجاف ) إذ إنَّ نقصَ هذا الفيتامين ، في الغذاء ، يسبب المرض بهذا النوع منٍْ الرمد ، كما أنهُ يسبب ، أيضًا مرض العشى الليلي ، ومن فوائد فيتامين ( أ ) ، أيضا أنهُ ، يكسب جسم الإنسان ، المناعة من الإصابة ، بعدوى بعض الأمراض ، كما أنَّ له تأثيرًا مُهِمٌّا ، في عمليات تكوين العظام والغضاريف ، كذلك فإنَّ نقص فيتامين ( أ ) يؤثر على الخصوبة والتكاثر والتوالد.
7 ـ يحتوي { اللبن } ، على نسبةٍ ، لا بأس بها من فيتامين ( د ) ، وهذا الفيتامين يساعد على ، ترسب الكالسيوم والفوسفور في الجسم ، أي أنهُ ، يساعد على نمو العظام ، كذلك فهو مانع للكساح ، لذلك يُسمَّى فيتامين ( د ) : المضاد للكساح ، كذلك يحتوي { اللبن } ، على مادة الكوليسترول ، التي بتعرضها لأشعة الشمس أو الأشعة فوق البنفسجية ، تتحول إلى فيتامين ( د ) ، وقد وجد : أنَّ قوَّة { اللبن } منْ هذا الفيتامين تزيد (20) ضعفًا ، إذا عومل بالأشعة فوق البنفسجية ، وهذه الطريقة مستعملة ، في بعض الدول الأوربية والأمريكية ، وذلك لأنها تزيد نسبة وكمية فيتامين ( د ) في { اللبن } ، وفي الوقت ذاته تقتل الميكروبات وتعقم { اللبن }.
8 ـ يعد { اللبن } ، غنيٌّا بفيتامين ( ب2 ) أو الريبوفلافين ، ويؤدي نقص فيتامين ( ب 2) إلى ظهور مرض البلاجرا ، لذا يُسمَّى هذا الفيتامين ، بالمانع لمرض البلاجرا.
9 ـ يوجد الكولين في { اللبن } بوفرة ، والكولين : هو العامل المانع لتراكم الدهن حول الكبد ، والكولين : يكون جزءًا منْ الليسيثين ، الموجود في دهن { اللبن } ، ويعد الليسيثين ، من الفوسفوليبيدات المهمة ، في تكوين الخلايا ، والكولين : عامل مهم ، في تمثيل الدهون ، واستخدامها في الجسم ، لذلك يؤدي نقص الكولين ، إلى بطء النمو ، وتراكم الدهن ، حول الكبد وخلل في عمليات تمثيل الدهون في الجسم.
10 ـ يعد { اللبن } ، أحد المصادر الطبيعية الأساسية الغنية بالكالسيوم والفوسفور ، وهما من الأملاح المعدنية الضرورية لجسم الإنسان ، إذ أنَّ هذه المعادن ، تدخل في تكوين الهيكل العظمي ، وتركيب الأسنان ، وتنظيم الضغط الأسموزي ، وتساعد على تنشيط الأنزيمات ، ومن المعادن الأخرى ، التي توجد في { اللبن } ـ كذلك ـ بنسب لا بأس بها : [[ الماغنسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكلور والكبريت ]] ، ولكنْ يُعَّد { اللبن } فقيرا ، في عنصر الحديد ، ويمكن تعويض ذلك ، بتعاطي أغذية غنية بهذا المعدن ، مثل : البيض والخضراوات والفاكهة ، ويوجد في { اللبن } أيضاً نسب ضئيلة ، من [[ الروبيديوم والليثيوم والباريوم والمنجنيز والاسترانثيوم والألومنيوم والفلور والنحاس واليود والزنك والكوبلت ]].
11 ـ يحتوي { اللبن } ، على كثيرٍ ، منْ الأنزيمات ، التي تساعد على هضم الطعام وامتصاصه.
[[ هذا هو { اللبن } الذي أخرجه المولى ـ جلَّ شأنهُ ـ بقدرتهِ العظيمة ، منْ بينْ ( فرث ) و ( دم ) ، { لبنا } خالصا سائغًا للشاربين ، يجزئ الأصحاء ويكفيهم ، ويقوّي المرضى ويشفيهم ، وصدقَ اللهُ ـ سبحانهُ وتعالى ـ إذ يقول :
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } النحل: 66.
وجه الإعجاز : وهكذا يتجلى لنا بوضوح ، أنَّ النَّبيَّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ قد أشارَ ، إلى قيمةِ { اللبن } الغذائية المتميزة ، في زمنٍ ، لمْ يكنْ يدرك الناس ، وقتئذ تركيب { اللبن } ، وما يحتوي عليهِ ، منْ عناصر ومركبات الغذاء الحيوية المهمة ، التي لا تجتمع في شراب غيره ، ثمَّ لمّا تقدم العلم ، وتوفرت الأجهزة ، توصل العلماء والباحثون ، إلى اكتشافِ ، هذه المواد الغذائية ، التي يحتوي عليها { اللبن } ، منْ البروتينات والكربوهيدرات ، والسكريات ، والدهون ، والمعادن ، والفيتامينات ، وغير ذلك ، فمنْ أخبرَ سيدّنا مُحَمَّدًا ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ بهذه الحقائق ، في وقت كان ، يستحيل فيه على الإنسان ، أنْ يتوصل ، إلى ما توصل إليه اليوم ؟ ، حيث إنه ، بعد رحلة شاقة ، من الدراسة والبحث ، وصل من خلالها ، إلى نتائج تتوافق ، مع ما أخبر به النَّبيّ مُحَمَّد ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ مِمَّا يدل ، دلالة قاطعة ، على أنهُ رسولُ اللهِ ، وأنَّ ما أخبر به وذكره ، إنما هو بتعليمِ اللهِ له ، وصدق الله العظيم حيث قال :
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) النجم : 3، 4.
قمتُ بنقلهِ / مع يسير منْ التصرف / من أجل إتمام الفائدة رجاءاً
قال تعالى
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }الأحقاف16
اللهمَّ أجعلني ووالدي وجميع المسلمين منهم يا ارحم الراحمين آمين
مصدر المقالة
منقولة عنْ موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المراجع العربية والأجنبية
1 - الشحات: د. علي أحمد، اللبن وقيمته الغذائية ـ المكتبة الثقافية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ مصر.
2- Elshahat , A .A. Shams University, production.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، اللهمَّ صلِّي على عبدكَ ونبيكَ وخليلكَ الناطقِ بوحيكَ ، والذي جعلتهُ لسان الصِّدقِ الأبدي ، سيدّنا مُحَمَّد وعلى آلهِ وأزواجهِ وذريِّتهِ وباركْ وسلِّم , كما تحبهُ وترضاهُ آمين.
وبعد :-
فتفضلوا معي أيها الأكارم ، للاطلاع على هذه النفحات المباركة ، منْ معجزاتِ القرآنِ العظيمِ ، والتي تفضل بها الباحث الأستاذ الدكتور : [ علي أحمد علي الشحات] ، غفرَ اللهُ تعالى لهُ ولولديهِ ، ولنا ولوالدينا ، ولجميعِ المسلمينَ آمين.
اللبن
لقد جاء في الصحيح ، عنْ الرسول ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ قال في حديث الاسراء والمعراج : [[ ... فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ .... ]] (رواهُ مسلمٌ ) ، من ذلك نرى أن جبريل ـ عليه السلام - عرض الإناءين ، على النَّبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ فاختار الرسول ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ { اللبن } وأعرض عن { الخمر } فقال له جبريل - عليه السلام : اخترت الفطرة ، التي فطر الله الناس عليها ، ولقد شاء المولى - جلَّ شأنه - أنْ يتغذى الرُضَّع الصغار ، { باللبنِ } قبل إعطائهم ، أي غذاء آخر ، وهذا يدل على أنَّ { اللبنَ } ذو قيمة غذائية مرتفعة ، ويفي بالاحتياجات الغذائية ، في شكل ملائم ونسب متّزنة ، وأقرب إلى الكمال ، من أي غذاء آخر ، والحقيقة أنَّ { اللبن } أكمل الأغذية من الناحية البيولوجية ، رغم أنه ينقصه قليل من العناصر الغذائية ، ولكنْ رغم ذلك ، يُعدُّ أفضل من أي غذاء منفرد وحيد ، ولا توجد أي مادة غذائية أخرى ، يمكن أن تقارن مع { اللبن } من حيث قيمته الغذائية المرتفعة ؛ وذلك لاحتوائه ، على المواد الغذائية الأساسية الضرورية ؛ التي لا يستغني عنها جسم الإنسان ، في جميع مراحل نموه وتطوره ، فـ { اللبن } يُعَدّ من أحسن الأغذية للأطفال والناشئين ، والبالغين والمسنّين ، على السواء ، فعلاوة على أنه ينفع الصغار في حياتهم المقبلة ويكسبهم مناعة ضد كثير من الأمراض ؛ فإنه أيضًا يفيد الكبار كثيرًا ، لقيمته الغذائية المرتفعة ، ويُعَّد { اللبن } ومنتجاته ، من المواد الغذائية الضرورية ، المهمة للإنسان ، في معظم بلاد العالم ، فحيث يستعمل ، سكان خط الاستواء ، في الجنوب { ألبان الماعز والإبل } في غذائهم ؛ نجد أنَّ { لبن الغزلان } يستعمله سكان الإسكيمو في الشمال ، و { لبن الخيول } يستعمل في آسيا ، و{ لبن الجاموس } يشربه سكان أفريقيا ، وشبه القارة الهندية ، ولكنْ يلاحظ أنَّ الاستعمال إنما هو الشائع { لألبان البقر والغنم } في معظم بلاد العالم ، ومع أنَّ { ألبان } الأنواع المختلفة من الحيوانات ، تحتوي على نفس العناصر ، ولكن تختلف في نسبها وخواصّها.
القيمة الغذائية { للبن } :أصبح منْ المعروف حاليٌّا ، في علوم التغذية ، أن هناك مواد غذائية أساسية للصحة الجيدة والقوَّة والنشاط والحيوية ، لا يستغني عنها الإنسان ، في جميع أطوار حياته ، وهذه المواد هي :
البروتينات : ومنْ أهم فوائدها : بناء العضلات والأنسجة الجديدة.
الكربوهيدرات : مثل النشويات ، السكريات ، وهي التي تمد الجسم بالحرارة والنشاط.
الدهون : التي تختزن في الأنسجة الحية ، وتمد الجسم أيضًا بالحرارة.
المعادن : وهي عناصر مهمة ، لتكوين العظام والأسنان ، ولأداء وظائف الجسم الحيوية بانتظام.
الفيتامينات : وهي مواد مهمة للحياة والنمو والوقاية ، من كثير من الأمراض ،و أيضًا هي مركبات تسمح بتمثيل مواد الغذاء الأخرى.
الماء : الذي يعمل كمذيب وحامل للمواد الغذائية بالجسم.
العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة { للبن} :يمد { اللبن }جسم الإنسان ، بمجموعة كبيرة جدٌّا ، من هذه العناصر والمركبات الغذائية الحيوية المهمة ، ويمكن إيجاز ذلك في النقاط التالية :
1 ـ يعد { اللبن } موردًا مُهِمٌّا ، وجيدًا للبروتينات ذات القيمة الغذائية المرتفعة ، وتمــــد بروتينات { اللبن }جســـم الإنســــان بالأحماض الأمينية الأساسية ــ بمقادير وتركيزات مرتفعة ــ ذلك بالإضافة إلى أنه ، قد ثبت : أن بروتينات { اللبن }غنية بالفوسفور ، الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم من القناة الهضمية ، وبالتالي يستفيد الجسم من الكالسيوم ، هذا علاوة على ، أنَّ { اللبن } ذاته غني أيضًا بالكالسيوم ، لذا فإن الأطفال والبالغين ، الذين يتناولون اللبن في غذائهم ، لا تظهر عليهم أعراض ، أمراض لين العظام والكساح أوضعف تكون الأسنان.
2 ـ توجد الأحماض الدهنية ، في { اللبن } بنسبة دقيقة جدٌّا ، بحيث يسهل هضمها وتمثيلها في الجسم ، ويحتوي دهن { اللبن }على كثير من المواد الحيوية المهمة مثل : الأحماض الدهنية الأساسية ، والفيتامينات الذائبة في دهن { اللبن } ، والمركبات الدهنية الفوسفاتية ، كذلك تعتبر النسبة بين الدهن والسكر ، في { اللبن } مهمة جدٌّا ؛ إذ إنها تنشط نمو البكتريا النافعة بالأمعاء.
3 ـ يقتصر وجود اللاكتوز على { اللبن } فقط ، ويمتاز سكر{ اللبن } ( اللاكتوز ) ، عن غيره ، منْ الكربوهيدرات الأخرى ، بقدرته على التخمر ، الذي يعد ، ذا أهمية نافعة في التغذية ، كما أنه يؤثر ، على غشاء المعدة المخاطي نظرًا لقلة ذوبانه ، كذلك فإنَّ احتواء سكر { اللبن } على سكر ( الجالاكتوز ) يزيد منْ أهميته ، إذ يعتبر هذا السكر ، أساس تكوين ( الجالاكتوز ) ، في أغشية المخ والخلايا العصبية ، أيضًا ينفرد سكر { اللبن } بقدرته ، على تنشيط نمو أنواع مفيدة من بكتريا حمض اللاكتيك ، والتي يمكن أن تحل ، محل بعض البكتريا التعفنية ، في القناة الهضمية ، كما يساعد الحامض المتكون ــ نتيجة نشاط الميكروبات النافعة ــ على تمثيل وامتصاص الكالسيوم وبعض المعادن الأخرى.
4 ـ يعد { اللبن } ، مصدرًا مُهِمٌّا ، لكثير من الفيتامينات ، وهي مواد تساعد على الاستفادة ، من الغذاء والوقاية من الأمراض ، وتوجد بعض فيتامينات { اللبن } ذائبة في الدهن ، وهي [ فيتامينات أ ، د ، هـ ، ك ] ، والبعض الآخر ، ذائبا في ماء { اللبن }: وهي [ فيتامينات ب1 ، ب2 ، ج ] ، وكذلك [ الكولين] .
5 ـ يكوّن الماء ، ما يقرب من ( 85 ـ 90 % ) من { ألبان } الثدييات المختلفة ، وبعض مكونات { اللبن } ، إما ذائبة في الماء ، مثل بعض الفيتامينات والأنزيمات واللاكتوز ، أو على صورة معلّقة بالماء ، مثل حبيبات الدهن أو جزيئات الكيزين ، والماء له دور مهم وحيوي ، في حياة الإنسان ، حيث : إنَّ له وظائفه الفسيولوجية ، في الجسم الإنساني ، فهو على سبيل المثال يكون حوالي ( 85 ـ 92 % ) من دم الثدييات المختلفة ، كما أنَّ الكثير ، من أنسجة الجسم تحتوي على الماء ، و أيضًا فإنه ينظم درجة حرارة الجسم ، كذلك فالماء ، هو الوسط المناسب ، لانتشار وتأيّن العناصر المختلفة بالجسم ، كما أنه الوسط المناسب ، للتفاعلات المختلفة وعمليات الهضم والهدم والبناء التي تحدث في الجسم.
6 ـ يعتبر { اللبن } ، مصدرًا مُهِمٌّا ، من مصادر فيتامين ( أ ) الذي يعد مُهِمٌّا جدٌّا ، في حياة الإنسان ، حيث يوجد هذا الفيتامين بنسبة كبيرة في { اللبن } ، ذلك بالإضافة إلى ، مادة الكاروتين ، التي تتحول إلى فيتامين ( أ ) في الجسم بواسطة الأكسدة ، ومنْ أهم فوائد فيتامين ( أ ) أنهُ ، ضروري جدٌّا للنمو ، ولقد أثبتت التجارب الحديثة ، التي أجريت على الفئران ، أنَّ نقصَ هذا الفيتامين ، يسبب وقف نموها ثم موتها ، كذلك فإن فيتامين ( أ ) ، مهم جدٌّا في عملية الإبصار ، ويعرف هذا الفيتامين ، باسم الفيتامين المضاد ( للرمد الجاف ) إذ إنَّ نقصَ هذا الفيتامين ، في الغذاء ، يسبب المرض بهذا النوع منٍْ الرمد ، كما أنهُ يسبب ، أيضًا مرض العشى الليلي ، ومن فوائد فيتامين ( أ ) ، أيضا أنهُ ، يكسب جسم الإنسان ، المناعة من الإصابة ، بعدوى بعض الأمراض ، كما أنَّ له تأثيرًا مُهِمٌّا ، في عمليات تكوين العظام والغضاريف ، كذلك فإنَّ نقص فيتامين ( أ ) يؤثر على الخصوبة والتكاثر والتوالد.
7 ـ يحتوي { اللبن } ، على نسبةٍ ، لا بأس بها من فيتامين ( د ) ، وهذا الفيتامين يساعد على ، ترسب الكالسيوم والفوسفور في الجسم ، أي أنهُ ، يساعد على نمو العظام ، كذلك فهو مانع للكساح ، لذلك يُسمَّى فيتامين ( د ) : المضاد للكساح ، كذلك يحتوي { اللبن } ، على مادة الكوليسترول ، التي بتعرضها لأشعة الشمس أو الأشعة فوق البنفسجية ، تتحول إلى فيتامين ( د ) ، وقد وجد : أنَّ قوَّة { اللبن } منْ هذا الفيتامين تزيد (20) ضعفًا ، إذا عومل بالأشعة فوق البنفسجية ، وهذه الطريقة مستعملة ، في بعض الدول الأوربية والأمريكية ، وذلك لأنها تزيد نسبة وكمية فيتامين ( د ) في { اللبن } ، وفي الوقت ذاته تقتل الميكروبات وتعقم { اللبن }.
8 ـ يعد { اللبن } ، غنيٌّا بفيتامين ( ب2 ) أو الريبوفلافين ، ويؤدي نقص فيتامين ( ب 2) إلى ظهور مرض البلاجرا ، لذا يُسمَّى هذا الفيتامين ، بالمانع لمرض البلاجرا.
9 ـ يوجد الكولين في { اللبن } بوفرة ، والكولين : هو العامل المانع لتراكم الدهن حول الكبد ، والكولين : يكون جزءًا منْ الليسيثين ، الموجود في دهن { اللبن } ، ويعد الليسيثين ، من الفوسفوليبيدات المهمة ، في تكوين الخلايا ، والكولين : عامل مهم ، في تمثيل الدهون ، واستخدامها في الجسم ، لذلك يؤدي نقص الكولين ، إلى بطء النمو ، وتراكم الدهن ، حول الكبد وخلل في عمليات تمثيل الدهون في الجسم.
10 ـ يعد { اللبن } ، أحد المصادر الطبيعية الأساسية الغنية بالكالسيوم والفوسفور ، وهما من الأملاح المعدنية الضرورية لجسم الإنسان ، إذ أنَّ هذه المعادن ، تدخل في تكوين الهيكل العظمي ، وتركيب الأسنان ، وتنظيم الضغط الأسموزي ، وتساعد على تنشيط الأنزيمات ، ومن المعادن الأخرى ، التي توجد في { اللبن } ـ كذلك ـ بنسب لا بأس بها : [[ الماغنسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكلور والكبريت ]] ، ولكنْ يُعَّد { اللبن } فقيرا ، في عنصر الحديد ، ويمكن تعويض ذلك ، بتعاطي أغذية غنية بهذا المعدن ، مثل : البيض والخضراوات والفاكهة ، ويوجد في { اللبن } أيضاً نسب ضئيلة ، من [[ الروبيديوم والليثيوم والباريوم والمنجنيز والاسترانثيوم والألومنيوم والفلور والنحاس واليود والزنك والكوبلت ]].
11 ـ يحتوي { اللبن } ، على كثيرٍ ، منْ الأنزيمات ، التي تساعد على هضم الطعام وامتصاصه.
[[ هذا هو { اللبن } الذي أخرجه المولى ـ جلَّ شأنهُ ـ بقدرتهِ العظيمة ، منْ بينْ ( فرث ) و ( دم ) ، { لبنا } خالصا سائغًا للشاربين ، يجزئ الأصحاء ويكفيهم ، ويقوّي المرضى ويشفيهم ، وصدقَ اللهُ ـ سبحانهُ وتعالى ـ إذ يقول :
{ وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِمَّا فِى بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ } النحل: 66.
وجه الإعجاز : وهكذا يتجلى لنا بوضوح ، أنَّ النَّبيَّ ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ قد أشارَ ، إلى قيمةِ { اللبن } الغذائية المتميزة ، في زمنٍ ، لمْ يكنْ يدرك الناس ، وقتئذ تركيب { اللبن } ، وما يحتوي عليهِ ، منْ عناصر ومركبات الغذاء الحيوية المهمة ، التي لا تجتمع في شراب غيره ، ثمَّ لمّا تقدم العلم ، وتوفرت الأجهزة ، توصل العلماء والباحثون ، إلى اكتشافِ ، هذه المواد الغذائية ، التي يحتوي عليها { اللبن } ، منْ البروتينات والكربوهيدرات ، والسكريات ، والدهون ، والمعادن ، والفيتامينات ، وغير ذلك ، فمنْ أخبرَ سيدّنا مُحَمَّدًا ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ بهذه الحقائق ، في وقت كان ، يستحيل فيه على الإنسان ، أنْ يتوصل ، إلى ما توصل إليه اليوم ؟ ، حيث إنه ، بعد رحلة شاقة ، من الدراسة والبحث ، وصل من خلالها ، إلى نتائج تتوافق ، مع ما أخبر به النَّبيّ مُحَمَّد ـ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ـ مِمَّا يدل ، دلالة قاطعة ، على أنهُ رسولُ اللهِ ، وأنَّ ما أخبر به وذكره ، إنما هو بتعليمِ اللهِ له ، وصدق الله العظيم حيث قال :
( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى) النجم : 3، 4.
قمتُ بنقلهِ / مع يسير منْ التصرف / من أجل إتمام الفائدة رجاءاً
قال تعالى
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }الأحقاف16
اللهمَّ أجعلني ووالدي وجميع المسلمين منهم يا ارحم الراحمين آمين
مصدر المقالة
منقولة عنْ موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المراجع العربية والأجنبية
1 - الشحات: د. علي أحمد، اللبن وقيمته الغذائية ـ المكتبة الثقافية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ مصر.
2- Elshahat , A .A. Shams University, production.