[center]
منذ
أن سقطت الدولة العبيدية الفاطمية بمصر سنة 567هـ، ولم يصبح للشيعة بشتى
فرقهم دولة تمثلهم أو يأوون إلى ظلها، على الرغم من ظهور بعض الحكام الشيعة
في دولة التتار إلا إن التشيع لم يكن شعار الدولة، وظل الأمر على ما هو
عليه حتى استطاع «إسماعيل بن حيدر الصفوي» أن يكَّون دولة جديدة للشيعة في
منتصف الهضبة الإيرانية وذلك سنة 907هـ، وكان إسماعيل الصفوي شديد التشيع
والتعصب، سفك دم قرابة المليون مسلم سني من أجل فرض التشيع الاثني عشري على
سكان البلاد، واستعان على ذلك بالعصبية القبلية لقبائل القزلباش التركية،
حتى استطاع أن يجبر سكان البلاد للتحول للمذهب الشيعي بعد أن كانوا على
السنة، وكان إسماعيل الصفوي شديد السطوة والبطش والإرهاب حتى أن جنوده
كانوا يسجدون له من شدة تعظيمهم له.
اتبع
إسماعيل الصفوي سياسة التمدد الشيعي المذهبي، فعمد إلى نشر التشيع في
البلاد المجاورة لدولته، وهذه السياسة جعلته يصطدم بقوة عظمى قائمة وقتها
هي الدولة العثمانية التي كانت تعتبر زعيمة العالم الإسلامي السني وقتها
بعد أن ضعفت دولة المماليك وذهب ريحها، وهذا الصدام جعل إسماعيل الصفوي
يتجه إلى محالفة البرتغاليين الصليبيين الذين كانوا يناصبون المسلمين
العداء الشديد، بل لهم طموحات صليبية غير مسبوقة، إذ كانوا يخططون لاحتلال
المدينة ونبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمقايضته بالقدس، ومع علم
إسماعيل الصفوي بمخطط البرتغاليين إلا إنه دخل في حلف معهم ضد العثمانيين.
والرسائل المتبادلة بين إسماعيل الصفوي و«البوكرك» قائد الأساطيل
البرتغالية مشهورة والتاريخ يحفظها كوصمة عار في تاريخ الصفويين عمومًا
والشاه إسماعيل خصوصًا. وإن كان غير مستغرب من الروافض فتاريخه طافح بأمثال
هذه الخيانات والمؤامرات.
في
هذه الفترة اعتلى كرسي السلطنة في الدولة العثمانية رجل قوي شديد العزم
والحزم هو السلطان «سليم الأول» والذي أظهر حتى قبل ولايته نيته لتصفية
خصومه ولو كانوا إخوته، وقد رأى سليم الأول الخطر الصفوي وحليفه البرتغالي
يحيق بالمدينة النبوية ومقدسات الإسلام ويهدد حدود الدولة العثمانية
الشرقية، ورأى التوسع القسري للمذهب الشيعي يزحف على أرض العراق والأناضول،
فقرر القيام بعمل قوي وحازم إزاء هذه التهديدات الخطيرة التي تحيق بالأمة
الإسلامية.
بدأت
الحرب الكلامية بين سليم الأول وإسماعيل الصفوي على شكل رسائل خشنة
تهديدية بين الرجلين، دعا فيها سليم الأول إسماعيل الصفوي للدين الصحيح
ونبذ التشيع والكف عن إيذاء المسلمين وأهل السنة، وإسماعيل يتمادى في غيه
ويهزأ بسليم الأول بأن أرسل إليه بهدية من الأفيون قائلاً: «أعتقد أنك تكتب
خطاباتك تحت تأثير هذا المخدر» وهكذا.
استعد
السلطان سليم الأول لمعركة حاسمة مع الصفويين، فبدأ أولاً بحصر الشيعة
الاثني عشرية الموالين للصفويين في شرق الدولة وأعدمهم جميعًا حتى لا يبقى
للصفويين جواسيس بالمنطقة، ثم استدعى أحد أفراد أسرة «آق قويونلو» وهي
الأسرة التي كانت تحكم إيران والعراق قبل ظهور الصفويين، وحثه على الاشتراك
معه في القتال فوافق وانضم بجنوده.
نقلت
العيون لسليم الأول أن الشاه إسماعيل الصفوي ينوي تأخير القتال إلى فصل
الشتاء حتى يهلك العثمانيين جوعًا وبردًا، وأن إسماعيل قد انسحب إلى داخل
صحراء «ياسجمن» على حدود أذربيجان، فأرسل سليم الأول بجيوشه الجرارة قبل
فصل الشتاء حتى وصل إلى صحراء «جالديران» واحتل الأماكن الهضبية، مما أمكنه
من السيطرة على ميدان المعركة، وفي يوم 2 رجب 920هـ، انقض سليم الأول
بجيوشه كالصاعقة على جيوش الصفويين فمزقها شر ممزق، وفر إسماعيل الصفوي من
أرض المعركة كالفأر المذعور.
واصل
سليم الأول سيره حتى احتل تبريز عاصمة الصفويين وجعلها مركزًا لعملياته
الحربية، ولكن سليم الأول اكتفى بانتصاره في جالديران، ويا ليته واصل قتاله
حتى أسقط الدولة الصفوية التي ظلت قائمة كالورم الخبيث في المنطقة، ولكنه
اضطر لذلك بسبب تمرد قادة الانكشارية الذين رفضوا القتال في البرد القارس.
ولقد
أسفرت هذه المعركة عن ضم شمالي العراق وديار بكر إلى الدولة العثمانية مع
شيوع وسيطرة المذهب السني في آسيا الصغرى وانحصار المذهب الشيعي في إيران
وحدها، ولقد كشفت هذه المعركة عن وجود علاقة وثيقة وتنسيق كامل بين
الصفويين والبرتغاليين ألد أعداء الإسلام الذين تحركوا مستغلين انشغال
العثمانيين بقتال الصفويين وأحكموا سيطرتهم على كافة الطرق القديمة بين
المشرق والمغرب.
منقول
[/center]