لا تهنوا أيها المسلون ولا تيأسوا، فربنا الله يتولانا كما تولى أجدادنا، أما تذكرون كيف كان سلفنا قبل الإسلام؟ وكيف أصبحوا بعده؟
كانوا قبله رعاة غنم ثم صاروا قادة أمم، كانوا عبدة أصنام وأهل أزلام، ثم
صاروا للعالم فاتحين وللأفكار مجددين، ولمشاعل النور حاملين، وفي حكم
الشعوب عادلين،
لا تهنوا؛
فسر نهضتنا وانتصاراتنا وكرامتنا وعزتنا القرآن لا يزال غضا طريا في صدور
أطفالنا وفي أرواح شيوخنا. سوف يبعث فينا الحياة من جديد، إلى مجد تليد
ونصر مجيد،
لا تهنوا
فالذي بعثنا بالوحي في فجر الرسالة المحمدية قادر أن يبعثنا من جديد من
نومتنا هذه، فقد كان أسلافنا قبل الإسلام في آثار الضأن، يأكلون الميتة،
ويعتقدون في الكواكب، ويسلبون القوافل، ويقطعون الطريق، ويغتالون القيم،
ويذبحون الفضيلة، يعيشون كأنهم في غابة، في ضلالة وجهالة، يقسمون باللات
والعزى، يقطعون الرحم، ويقتلون المسالم، ويغدرون بالمعاهد، فلما أسلموا
تحول كل شيء في حياتهم، فصارت قلوبهم مصاحف هدى، وألسنتهم منابر معرفة،
وأقلامهم رسل علم، وكلامهم ذكراً وتلاوة، يتوضأون فتفتح لهم أبواب الجنة،
يصلون فتخشع معهم الجبال، يسجدون فتنحني لهم الجبابرة، يحاربون فتقاتل معهم
الملائكة، يدعون فتهوى أمامهم قلاع الكفر وثكنات الباطل، ومعاقل الزور،
يكبرون فتهتز لهم دواوين الجبابرة، وتهد صروح الأكاسرة وقصور القياصرة،
حملوا لا إله إلا الله فرحبت بهم الأرض، وحيتهم السماء، وهابهم البحر، وصفق
لهم النهر، وفتحت لهم الأقطار، وطوي في أيديهم الليل والنهار.
أذن بلال في أذن الدنيا فخشع الكون، ورتل أبو موسى القرآن فانقشع الظلام،
وروى أبو هريرة الحديث فأنصت الدهر، وحكم عمر فاستسلم الطغاة، وجاهد خالد
فسحق الكفر وزهق الباطل.
أيها المسلمون لا تهنوا فنحن
أكثر الديانات أتباعا، وأكثرهم صقاعا وبقاعا، في كل زاوية مسلم يسبح، وفي
كل مسجد مؤمن يصلي، وعلى كل منبر موحد يخطب، وفي كل رابية داعية ينصح، ما
من مدينة إلا وفيها مسجد، ولا قرية إلا وبها مصلى، ولا دولة إلا وفيها
مركز ومعهد، الجبال والوهاد والروابي تهتز بنداء الحق: الله أكبر، الله
أكبر، البحار والقفار والديار ترتج بلا إله إلا الله.
أيها المسلمون:
إنْ ضعُفنا فما متنا، وإنْ مرِضنا فما انتهينا، وإن غُلبنا فما استسلمنا،
لا يزال بنا رمق الحياة، وبذرة التحدي، وعنصر الإباء، ووقود الثورة، وروح
النضال، نحن أهل
الرسالة الخالدة، والقضية العادلة، والمشروع الرباني الحضاري، لولا أننا
ملء السمع والبصر ما اشتغل بنا العالم، ولولا أننا قادمون ما خاف منا
الآخر، نحن لسنا جنسا قوميا، ولا حزبا وطنيا، ولا فكرا أرضيا، ولا فريقا سياسيا.
نحن أمة عظيمة ذات رسالة كريمة ومبادئ قويمة، نحن عرب وعجم، بيض وسود، علماء وعامة، أغنياء وفقراء، نحن ضمير العالم، وبهجة الحياة الدنيا، وأمل الشعوب المستضعفة، نحن جمعية خيرية كبرى، مؤسسة عالمية عظمى.
نحن
صيحة إنقاذ في ضمير الغيب، وبسمة أمل في فم الدهر، وقبس من نور الله في
عالم التيه، لأننا وحدنا يوم ألحد غيرنا، وآمنا يوم كفر سوانا، نذنب لكن
نتوب، ونخطئ لكن نستغفر، إن عثرنا أقامنا الله، وإن هُزمنا نصرنا الله، وإن
ضاقت بنا السبل فرّج الله، فنحن إلى الله ومع الله وبالله وعلى الله وفي
الله، إلى الله نسير، ومع الله نأنس، وبالله نثق، وعلى الله نتوكل، وفي
الله نجاهد، نحن الأمة الخاتمة، ختمت بنا الرسالات، والأمة الوسط صلحت بنا
المناهج، والأمة الشاهدة تقول كلمة الفصل، والأمة المجاهدة تدوس الباطل،
نحن أمة ابتلانا الله وابتلى بنا.
نحن أمة الفطرة والقبلة والملة والسنة، فالفطرة توحيد، والقبلة مكة، والملة الإسلام، والسنة اتباع المعصوم، نحن أهل
القبلتين والبيعتين والحسنيين والهجرتين والملحمتين، فالقبلتان الكعبة
والأقصى، والبيعتان العقبة والرضوان، والحسنيان النصر والشهادة، والهجرتان
الحبشة والمدينة، والملحمتان معركة البعثة ومعركة التجديد.
نموت لكن ربنا حي، نذهب لكن القرآن موجود، نرحل لكن السنة باقية: «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ».