السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتفق جميع الجهات المسؤولة عن رسم الخرائط – خصوصا في العصر الحديث – على
رسم الشمال في الجهة العلوية، لكن هذا الأمر لم يكن صحيحا دائما.
بدأت عملية رسم الخرائط مع إنسان الكهف – حيث قام برسم أساليب الصيد
وأماكنها وقد ضم إليها أحيانا بعض ملامح تميز المكان جغرافيا. ورسالتهم،
بغض النظر عن أي إشارة كانوا يفكرون بها في ذلك الحين، واضحة وبسيطة: هنا،
وفي هذا الوقت من السنة ، يوجد طعام وفير.
وأقدم خريطة مقبولة ومعروفة في العالم مرسومة على طاولة من الطين في العام
٣٨٠٠ قبل الميلاد ، وتوضح نهر الفرات الذي يتدفق شمال بلاد ما بين النهرين –
العراق. وكانت تلك الخريطة والكثير من سواها مجرد رسومات تضم ملامح محلية
عن بيئات مختلفة.
واستمر ذلك قرونا عدة حتى بدأ قدماء الإغريق بوضع أسس واضحة لعلم الفلك والحساب والخرائط.
وفي مقدمة الرواد الإغريق في مجال الفلسفة وعلم الحساب . كلاوديوس ١٦٨ بعد
الميلاد). وكان أول من رسم – بطليموس المعروف ببتولمي ( ٩٠ خريطة للعالم
المتحضر، مرتكزة على المعلومات المتوفرة وليس على مجرد احتمالات . قبل ذلك
كان البابليون قد حاولوا رسم خريطة العالم، لكنهم قدموها بصورة طبق مسطح
وليس شكل كروي ، وهو الشكل
الذي اقتبسه بطليموس لاحقا عنهم . وبالطبع فإن المعلومات التي كانت متوافرة في ذلك الوقت أدت به إلى الوقوع في أخطاء عدة أثناء رسم
خريطة الأرض ، مثل رسم الجزر الإنكليزية – إنجلترا واسكتلندا – متصلة
ببعضها البعض، كما قام بتقدير مساحة الصين والمحيط الأطلسي بشكل مبالغ فيه.
لكن على الرغم من كل هذا ، كانت خريطته دليلا على جهد كبير قام به ، لأنه
أرفق الخريطة بمرشد في الجغرافيا مقسم إلى ثمانية أجزاء، وفيه قام بتلخيص
أعمال من سبقه من العلماء والجغرافيين . وبقيت مؤلفاته مرجعا لأكثر من ألف
عام. وفي الحقيقة نجد أن كريستوفر كولومبوس استخدم منه جزءا حيث اتجه للبحث
عن العالم الجديد، الأمر الذي سبب له بعض المتاعب نتيجة خطأ بطليموس في
تقدير حجم المحيط الأطلسي، وعدم علمه أساسا بوجود المحيط الهادي.
والمهم في خريطة بطليموس هو أنه رسم الشمال في الأعلى، ذلك لأنه قرر حينها
أن يكون شرق الخريطة نحو النجم القطبي، وهو اختيار منطقي جدا، لأن النجم
القطبي كان دليلا غير متحرك يرشد الرحالة أثناء سفرهم في تلك العصور.
وبقي موضوع وجود الشمال في الجهة العلوية من الخريطة دون جدال حتى بداية
العصور الوسطى .فاستمر العلماء برسم الخريطة حسب تعليمات بطليموس على الرغم
من معارضة الكنيسة، إلا أن الوضع لم يبق
طويلا على ما هو علية، فقد أصبحت القدس مركز المسيحية من كل أقطار الأرض، وبذلك انتقل الشرق ليصبح في أعلى الخرائط.
وقد اشتهرت تلك الخرائط بأنها ثلاثية، حيث لا تظهر إلا أوروبا وآسيا وأفريقيا المفصولة عنها بالبحر المتوسط ونهر النيل.
ولم تكن تلك الخرائط ذات نفع للملاحين.ثم بدأت معالم الخرائط الدقيقة تتضح
مع بداية القرن الرابع عشر، حيث زادت عملية الاستكشاف والتجارة البحرية،
وبدأ الاعتماد جديا على البوصلة المغناطيسية، وهي آلة كان الفايكنغ أول من
استخدمها بشكلها البدائي. ومرة اخرى، عاد الشمال إلى موقعه الصحيح أعلى
الخرائط لتكون جميع المعالم مرتبطة بمغناطيسية الشمال.
وقد تم رسمها بشكل دائم لأول مرة في العام ١٥٦٩ ، حين قام أشهر Gerardus
Mercator of رسام خرائط في تاريخ البشرية بتطوير شكل أسطواني يتقاطع فيه
الخطوط الشمالية Flanders الجنوبية، وكان ذلك الشكل أول مجسم يظهر الأرض
منحنية على سطح خريطة مسطحة.