مهما سَمَوتُ فأنتِ فوق سمائي
لله أنتِ مدينةَ العُظماءِ
ماذا أقولُ وأنتِ مَن قد أنجبتْ
عَبرَ العُصُورِ فَطاحلَ العلماءِ
أرْضَعْتِهم شَمَمَ العُلا وكَسَوتِهم
للنائباتِ شمائلَ الُنبَلاءِ
يا طَفْلَةَ النَهْديْن فاضا كوثراً
فاضت عليه قرائحُ الشعراءِ
* * *
أُمَّ النواعيرِ الشَجيِّ أَنينُها
كم أَّرقتْ بالشَجْوِ حُورَ الماءِ
كم أَلْهَبَ الأشواقَ رَجْعُ حنينِها
وسَرى كَمَسْرى الراحِ في الأعضاءِ
حَمَلَتْ لنا ماءَ الحياةِ جَداولاً
ومَضتْ تَبُثُّ الخِصْبَ في الأنحاءِ
وسَقتْ رياضَ الحُبِّ خَمْرةَ حُبِّها
فتَدَلَّتِ الأغصانُ بالنَعْماءِ
وتَراقَصَ النَوارُ تحتَ ظلالِها
فإذا الُمروجُ تَمُوجُ بالآلاءِ
وكأنّما نامتْ على الأرضِ السما
بنُجومها وببدرِها اللألاءِ
* * *
أُمَّ البطولة والفصاحةِ والحِجا
ومنارةَ السارين في الظلماءِ
وعشيقةَ النهرِ العَصِيِّ على المدى
ومسارحَ الأطيابِ والأشذاءِ
عُذراً فما وفّيتُ قدرَكِ إنما
هي قبضةٌ من نورك الوضاءِ
مها وقفتُ على المديحِ قصائدي
وسَخَوْتُ بالألقابِ و الأسماءِ
تَبْقَيْنَ يا تاجَ المفاخرِ كلِّها
فوقَ المديحِ وفوقَ كلِّ سخاءِ
ويحَ الخُطوبِ فكم أراشتْ سَهْمَها
وارتدَّ سهمُ الغدرِ في الأعداءِ
لك يا حماةُ على الرزايا والبَلا
درعٌ متينٌ من نسيجِ إباءِ
مرَّ الغُزاةُ جحافلاً مُخْتالةً
ومضوا على هُونٍ بلا خُيلاءِ
لله درُّ بَنيك كم ذا علَّموا
نَهِمَ العُيونِ مَزيَّةَ الإغضاءِ
* * *
ومن اشتهى سُكْنى العُقابِ وصيدَه
وله جَناحا بومةٍ عَجْفاءِ
فقد ابتغى صعباً فهاضَ جَناحُه
دونَ السفوحِ وخاب كلُّ رجاءِ
* * *
يا صَفْوةَ الأيام ما زلنا على
عهدِ الوفاءِ فوارسَ الهيجاءِ
عَلِمَت عَروسُ المجد كم جُدْنا لها
يوم الفِدى بقوافلِ الشُهداءِ
ما نحن مَن إنْ يخطبوها أرخصوا
مَهراً ولو خُضْنا بِحارَ دماءِ