The Best
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

The Bestدخول
●● إعلانـات ●●
إعلانك هنا إعلانك هنا إعلانك هنا
إعـلانـات المنتـدى

إحصائيات المنتدى
أفضل الاعضاء هذا الشهر
آخر المشاركات
أفضل الاعضاء هذا الشهر
350 المساهمات
261 المساهمات
188 المساهمات
93 المساهمات
78 المساهمات
78 المساهمات
62 المساهمات
46 المساهمات
24 المساهمات
23 المساهمات
آخر المشاركات

والعاقبة للتقوى

+8
L e o
● زهرة الابداعـ ♫
Sako
Naru
Akatsuki
MostWanted
kikyo
Minato
12 مشترك



×
النص



لون شفاف

الألوان الافتراضية
×
الخلفية



لون شفاف

الألوان الافتراضية
×
النص



لون شفاف

الألوان الافتراضية
×
الخلفية



لون شفاف

الألوان الافتراضية

descriptionوالعاقبة للتقوى - صفحة 2 Emptyوالعاقبة للتقوى

more_horiz
تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

[size=12]بِـسْـمِ اللَّهِ الـرَّحْـمَـنِ الـرَّحِـيـمِ
الـسَّلَـامُ عَـلَـيْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللَّهِ وَبَـرَكَـاتُـهُ
[/size]
والعاقبة للتقوى


إن الحمد لله..
أما بعد: إن الحديث عن التقوى والمتقين حديث ذو شجون، وحديث عزيز غريب!
عزيز أوشك ألا يوجد، وغريب كاد أن لا يعرف، فالمسلم عندما يسمع حديثاً عن
التقوى من حيث معانيها ومدلولاتها وحقائقها وصفات المتقين الأوائل وأحوالهم
وأخبارهم يظن نفسه يسرح في عالم من الخيال، أو يحلق في أفق من المثالية
البعيدة المنال، إذا ما التفت بالمقابل إلى واقع المسلمين اليوم، وكأن هذه
المعاني والحقائق أوشكت أن تكون مفقودة في هذه الأيام بذلك المفهوم، ولا
حول ولا قوة إلا بالله.

فليس هناك خلقٌ أشرف من تقوى الله تعالى، ولا زادٌ أثمن من زاد التقوى، ولا مكانة أعلى وأرفع من مكانة المتقين عند الله جل جلاله.
ما أكثر ما تكررت كلمة التقوى في كتاب الله تعالى، وفي سنة نبيه -صلى الله
عليه وسلم- وصية بها وأمراً وحثّاً على ما تقتضيه من التزام وطاعة، وخوفاً
من الله تعالى وخشية، حتى إنها تكررت في القرآن الكريم أكثر من مئتين
وخمسين مرة، وتكرر الأمر بها للعباد أكثر من سبعين مرة، يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}
[(131) سورة النساء]

وإن الحديث عن
التقوى في القرآن الكريم يمثل خيوطاً من نور، تربط بين أجزائه من أوله إلى
آخره، وتنتظم حقائق الإيمان والدين في كل شأن من شئونه.. وهي تدرك المؤمن
في كل حركة أو سكون، وتحيط به من كل جانب، وتقول له في كل لحظة وعند كل
فكرة أو خطرة: (اتق الله.! اتق الله.!).


إنها تسبق كل عمل، وتقترن بكل عمل، ويختتم بها كل عمل، لتكون خاتم القبول له عند الله ويكتب صاحبه من المتقين قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
[(27) سورة المائدة] فهي مصابيح نورانية هادية، نورها ليس من نور هذه الأرض، وإنما من نور الله و{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النــور] {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [(40) سورة النــور]
. وقد كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً..)).


والعاقبة للتقوى - صفحة 2 Icon

وحقيقة التقوى أنها حالة قلبية، تقوم على خشية الله ومراقبته، وتعظيم أمره
ونهيه، تبعث صاحبها على فعل ما يحب الله ويرضى، والمسارعة فيه، واجتناب ما
يسخطه، والبعد عنه، ومحلها القلب، والقلب يضخ آثارها على سائر الجوارح
والأعضاء، كما يُضخ الدم من القلب، فينتشر إلى سائر الجسد، فتعمل أجهزته،
وتحيا به خلاياه، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: ((التقوى هاهنا..!)) ثلاث مرات ويشير إلى صدره؟!
وسأل عمر بن الخطاب أبيّ بن كعب -رضي الله عنهما- عن التقوى؟ فقال له:
"أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت،
قال: فذلك التقوى". فذلك التقوى.. حساسية في الضمير وشفافية في الشعور،
وخشية مستمرة، وحذر دائم وتوقٍّ لأشواك الطريق.. طريق الحياة الذي تتجاذبه
أشواك الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمطامح، وأشواك المخاوف
والهواجس، وعشرات غيرها من الأشواك.
قال ابن المعتز:
خَــلّ الذنوب صغيرهـا *** وكبيرَهــا ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض *** الشوك يحذر ما يـرى
لا تحقــرنَّ صغيــرةً *** إن الجبـالَ من الحصى
لا تحقرن ذنبًا تستصغره؛ إن الجبال من الحصى, ذنب على ذنب تصير كبيرة, تحيط بالعبد فيصدق عليه قوله تعالى: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [(81) سورة البقرة].

وسُئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن التقوى فقال: "التقوى: الخوف من الجليل، والعمل بالتنـزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
وقال عمر بن عبد العزيز: "التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما فرض الله".
وقال طلق بن حبيب: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله".
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "لا زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام".


والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc


إن التقوى أيها الإخوة! تجعل في قلب المؤمن نوراً يكشف الشبهات، ويزيل
الوساوس والأوهام ويثبت الأقدام على الطريق الشائك الطويل… بل إنها لتجعل
من قلب المؤمن مرجعاً له عند التباس الأمور، واضطراب الموازين والمفاهيم،
ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن سأله عن البر والإثم: ((استفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك))؟.
وهي تجعل في قلب المؤمن فرقاناً يكشف له معالم طريقه إلى الله، ولا يعرف
هذه الحقيقة إلا من ذاقها، وأخلص في التعامل معها، وغمرت مخافةُ اللهِ
وتقواه فؤادَه، وعندئذ يستنير عقله ويستضيء، ويتضح له الحق ويستبين، ويطمئن
قلبه ويستريح، وتستقر قدمه وتثبت على الطريق.. وإن الحق في ذاته لا يخفى
على الفطرة، ولكن الهوى هو الذي يحول بين الحق والفطرة، والهوى لا تدفعه
الحجة الساطعة، بمقدار ما تدفعه التقوى الرادعة، تدفعه مخافة الله ومراقبته
في السر والعلن، التي تشرق بها البصيرة، ويقف الإنسان فيها عند حده، فلا
يشتط ولا يميل، ولا يتقاصر ولا يذل..

فمما تقدم يمكن أيها الأحبة أن نستشف بعض علامات التقوى:
فمن ذلك: الابتعاد عن المعاصي والآثام، والحذر من الوقوع فيها والاقتراب منها.
ومنها: الحرص على الطاعات والتسابق في الخيرات، والمسارعة إلى المبرات، فقد قال تعالى في وصف المؤمنين: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}
[(61) سورة المؤمنون]. ومنها: التورع عن الشبهات، وترك ما لا بأس به حذراً من الوقوع فيما فيه بأس، ففي الحديث الشريف: ((لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذراً لما به بأس)) [رواه الترمذي وقال حديث حسن]. ومنها: الأنس بذكر الله -عز وجل- وذكر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وذكر الصالحين من عباد الله، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد].
ومن علامات التقوى: الحرص على صحبة الصالحين المتقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [(119) سورة التوبة]
.

وفي المقابل فإن من علامات البعد عن التقوى:
الإصرار على ارتكاب المعاصي والآثام. والزهد في الطاعات والعبادات، والوقوع
في الشبهات، والغفلة عن ذكر الله -عز وجل- وذكر رسوله -صلى الله عليه
وسلم-، والانشغال بذكر الدنيا ولذاتها، والخوض مع الخائضين، ومجالسة
الغافلين.
فهلا نقف أيها الإخوة! عند الحديث عن التقوى في كتاب الله تعالى كلما مر
بنا الحديث عنها وقفة تدبر! لنرى أنحن في زمرة المتقين، فلنستبشر ببشائرهم
في كتاب الله جلا وعلا، قال تعالى: {إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ
مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم
بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا
يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ
عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ
}
[(51-57) سورة الدخان]
.


والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc



إن تقوى الله جماع الخيرات، وبه تحصل البركات، ما من خير عاجل ولا آجل، ولا
ظاهر ولا باطن إلا والتقوى موصلة إليه ووسيلة له ودليل عليه. وما من شر
عاجل ولا آجل، ولا ظاهر ولا باطن، إلا وللتقوى حرز منه حصين، ودرع منه
مكين، إنها وصية الله للأولين والآخرين كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}
[(131) سورة النساء]
وهي دعوة الأنبياء، وشعار الأولياء، فما من نبي إلا قال لقومه: ألا تتقون. وأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون.
فحقٌ علينا جميعاً أن نقف عندها، ونتأمل فيها ونتدبر في معانيها لعل الله أن يجعلنا من أهلها.

إن التقوى في أصلها أن يجعل العبد بينه وبين ما يخاف ويحذر وقاية. وربنا
-تبارك وتعالى- هو أهل التقوى. هو الأهل وحده أن يُخشى ويُعظَّم ويُجلَّ.
والتقي من عباد الله ذو ضمير مرهف، وخشية مستمرة، وحذر دائم، يتوقى أشواك
الطريق، ويحذر سراديب الحياة، وَجِلٌ من تجاذب كلاليب الرغائب والشهوات،
ونوازع المطامع والمطامح.

وفي كتاب الله تعالى أيها الأحبة نعوتٌ لأهل التقوى، وإشادة بذكرهم، ورفعة من شأنهم، وإطناب في وصفهم، فالمتقون في كتاب الله: {الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ
مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
}
[(4) سورة البقرة]
.

والمتقون في كتاب الله: {مَنْ
آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي
الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ
بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء
والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُتَّقُونَ
}
[(177) سورة البقرة]
.

والمتقون في كتاب الله: {الَّذِينَ
يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ
ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ
يَعْلَمُونَ
}
[(134-135) سورة آل عمران]
.

التقوى تفتح مغاليق القلوب قال الله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
[(282) سورة البقرة]

وهداية القران لا تكون بغير ذوي النفوس التقية
والقلوب الزكية، تتوقى الضلالة، وتتجنب سبل الغواية. بالتقوى يكون الفرقان
بين الحق والباطل، وبها العرفان الذي تنجلي به الأمور، والنور الذي تنشرح
به الصدور: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن
رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
}
[(28) سورة الحديد].

القبول في أهل التقوى محصور: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
[(27) سورة المائدة]، والقدح المعلى من الكرامة في نواصيهم معقود: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [(13) سورة الحجرات]، هم الناجون من السعير: {وَإِن
مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا *
ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا
جِثِيًّا
}
[(71-72) سورة مريم] {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [(61) سورة الزمر]. ولهم الفوز بدار الحبور: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [(63) سورة مريم]
.
والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc

أهل التقوى: هم أهل الفضل، منطقهم صواب،
وملبسهم في اقتصاد، ومشيهم في تواضع، غضوا أبصارهم عن الحرام، ووقفوا
أسماعهم على ما يستفاد، عظموا الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم،
قلوبهم محزونة، شرورهم مأمونة، مطالبهم في هذه الدنيا خفيفة، وأنفسهم عما
فيها عفيفة، صبروا أياماً قصيرة فأعقبهم راحة طويلة، يصفُّون في الليل
أقدامهم، يرتلون قرآنهم جاثون على الركب، يطلبون النجاة من العطب، لا يرضون
من الأعمال الصالحة بالقليل، بل يستكثرون منها الكثير، من ربهم وجلون، ومن
أعمالهم مشفقون، يتجملون في الفاقة، ويصبرون في الشدة، ويشكرون على
النعمة، قريب أملهم، قليل زللهم، الخير منهم مأمول، والشر منهم مأمون، ولا
يتجلى الصدق في التقوى حين يتجلى إلا عندما يستوي عند العبد تقاه في سره
ونجواه، وقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: ((اتق الله حيثما كنت)) وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
[(1) سورة النساء]
.

وحين يصيب الإنسان بعض القصور، ويغلبه طغيان الشهوة، تعمل التقوى عملها،
فسرعان ما يرجع التقي إلى ربه، ويأوي إلى رحمته، ويهرب من شيطانه: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}
[(201) سورة الأعراف]، {وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ
فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ
وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
}
[(135) سورة آل عمران].

والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc

إذا فهمت يا عبد الله هذه الخيرات الحاصلة بالتقوى
فاعلم أن التقوى هي طاعة الله -عز وجل- بفعل أوامره والابتعاد عن نواهيه،
فالمتقون هم الذين يراهم الله حيث أمرهم ولا يُقدِمون على ما نهاهم،
المتقون هم الذين يعترفون بالحق قبل أن يُشهد عليهم، ويعرفونه ويؤدونه
وينكرون الباطل، ويجتنبون ويخافون الرب الجليل الذي لا تخفى عليه خافية،
المتقون يعملون بكتاب الله فيحرمون حرامه ويحلون حلاله، المتقون لا يخونون
في أمانة، ولا يرضون بالذل والإهانة، ولا يعقّون ولا يقطعون ولا يؤذون،
المتقون يصلون من قطعهم ويعطون من حرمهم ويعفون عمن ظلمهم، المتقون لا
يغتابون ولا يكذبون ولا ينافقون، المتقون لا يحسدون ولا يراؤون ولا يرابون
ولا يرشون ولا يقذفون ولا يأمرون بمنكر ولا ينهون عن معروف، تلك صفات
المتقين حقاً {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}
[(49) سورة الأنبياء]
خائفون، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها، أما الليل
فصافُّون أقدامهم يتلون آيات الله إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها
طمعاً، وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية
فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول
آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف
أقدامهم يطلبون من الله تعالى أن يفك رقابهم من النار، فالمتقون لأنفسهم
متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زُكِّي أحدهم خاف مما يقال، فيقول أنا
أعلم بنفسي من غيري.
إن المتقين في أعلى مراتب المؤمنين، وسماحة دين الله، والرحمة بخلق الله.
يسلك في عداد المتقين كل المذنبين التائبين، الراجعين إلى ربهم غير المصرين على خطيئاتهم.
والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc


إن المقصر حين يتوب لا يكون في مؤخرة القافلة ولا في ذيل القائمة، إنه أهل لبلوغ أعلى المقامات حين تصدق توبته وتصح أوبته: {أُوْلَئِكَ
جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
}
[(136) سورة آل عمران]
.

ومما ينبغي الإشارة إليه: ركن آخر من التقوى نشير إليه، إنه الحفاظ على
حقوق الناس بجانب حقوق الله، ولقد قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وكثيرا
ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته
وطاعته، إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها، حتى قال: والجمع بين
القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جدا لا يقوى عليه إلا الكمَّل من
الأنبياء والأتقياء". انتهى..
وفي التنـزيل من أوصاف المتقين: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[(134) سورة آل عمران]
. تعمل التقوى في أصحابها، فيكظمون الغيظ ولا ينساقون لثورة النفس وغيض الصدر.

وكظم الغيظ عند المتقين، لا يكون إحناً غائرة في القلوب، ولا أحقاداً دفينة
في الأعماق، ولكنه كظم يعقبه عفو وسماحة، والعافين عن الناس، إن الغيظ
وَقرٌ على النفس حين تكظمه، وشُواظٌ يلفح القلب حين يكتمه، فأما حين تصفح
النفس، ويعفو القلب فأولئك هم المتقون المحسنون، والله يحب المحسنين.

كم عُلّق على التقوى من خير، ووعد عليها من ثواب، وارتبط بها من فلاح، وانعقد بها من كرامة. إقرأوا في المعية الإلهية: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}
[(194) سورة البقرة] {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [(128) سورة النحل]. وفي ثواب الدنيا و خيراتها المباركة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [(103) سورة البقرة] {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء} [(96) سورة الأعراف] {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [(2-3) سورة الطلاق] {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [(4) سورة الطلاق] {فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [(35) سورة الأعراف]. وأما في ثواب الآخرة ونعيم الجنة فلتقرؤوا: {لَكِنِ
الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ
مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا
يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ
}
[(20) سورة الزمر] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [(54-55) سورة القمر] {إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ *
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
}
[(42-43) سورة المرسلات]
.


والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc



إن التقوى الكاملة هي أن يتقي العبد المحرمات والشبهات, وربما دخل فيها فعل المندوبات وترك المكروهات, وهذه أعلى درجاتها, أعلى درجات التقوى أن تجمع فيها بين فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات, وأن تُقبل على المستحبات والمندوبات, وتترك المكروهات.

إن كثيراً من الناس يتساهلون تساهلاً شديدًا في أمور ينظرون إليها على أنها
من المكروهات, يسألون عن الأشياء التي تَعرِض لهم فإن قيل: إنه مكروه
تساهلوا في شأنه وفي أمره, وقالوا: المكروه لا يوجب عقابًا, بل يوجب
الحرمان من الثواب, ما هذا الزهد في طاعة الله -تبارك وتعالى- وفي ثنائه
ومغفرته ورحمته وإحسانه؟ يقبل الناس على الأشياء لأنها لا توجب عقوبة فقط,
بل توجب الحرمان من الثواب, ويقولون ليس هذا الأمر محرمًا إنما هو مكروه
فحسب, ليس هذا من تقوى الله -عز وجل-, بل إن الفقهاء أحيانًا يعبرون عن
المحرمات بلفظ المكروه, فالكراهة ليست بالأمر الذي يُستهان بها، ولماذا
تفعلون ما يكرهه ربكم وخالقكم وموجدكم, وفي حق البشر الذين تجلونهم
وتعظمونهم لا تفعلون إلا ما يُدخل أعظم المسرات على قلوبهم؟ لماذا تجعلون
الله أهون الناظرين إليكم؟!

التقوى هي منبع الفضائل كلها فالرحمة والوفاء
والصدق والعدل والورع والبذل والعطاء كلها ثمرات من ثمار شجرة التقوى إذا
أينعت في قلب المؤمن.

التقوى هي التي تصحبك إلى قبرك فهي المؤنس لك من الوحشة والمنجية لك من عذاب الله.
دخل علي المقبرة
فقال: يا أهل القبور ما الخبر عندكم: إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قسمت
وأن بيوتكم قد سكنت وإن زوجاتكم قد زوجت، ثم بكى ثم قال: والله لو استطاعوا
أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى.


التقوى هي خير ضمانة تحفظ بها ولدك ومستقبل أبنائك من بعدك قال الله تعالى: {وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا
}
[(9) سورة النساء]
.


والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc
ذكر بعض أهل العلم أن للتقوى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: التوقي عن كل ما يخلد صاحبه في النار وعليه قوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ}
[(26) سورة الفتح]
بمعنى أن الإنسان يقي نفسه من العذاب المخلد في النار وذلك بالتبرؤ من
الكفر بجميع أنواعه، وأن يتبرأ من الشرك بكل أشكاله الظاهر منه والباطن، فـ
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[(48) سورة النساء]
.

المرتبة الثانية من مراتب التقوى: تجنب كل ما
يؤدي إلى الإثم من فعل أو ترك، وهي مرتبة المجاهدة وحمل النفس على فعل
المأمورات وترك المنهيات، وهي أيضاً مرتبة النفس اللوامة التي تلوم نفسها
لِمَ لا تستزيد من الخير، وتلوم نفسها لِمَ فعلت الذنب.
قال الحسن البصري -رحمه الله-: النفس اللوامة: هي والله نفس المؤمن، ما
يُرى إلا يلوم نفسه: ما أردت بكلمتي؟ وما أردت بأكلي؟ وما أردت بحديث نفسي؟
والفاجر لا يحاسب نفسه.
هذه المرتبة هي مرتبة النفس المتيقظة التقية الخائفة المتوجسة التي تحاسب
نفسها وتجاهدها، وتتلفت حولها، وتتبين هداها، وتحذر خداع ذاتها، هي النفس
الكريمة على الله التي أقسم الله بها في كتابه، وقرنها بيوم القيامة في
قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}
[(1،2) سورة القيامة]. هذه المرتبة يراقب التقي فيها طاعته لربه أن يكون مخلصاً فيها، ويراقب فيها معصيته وذلك بالتوبة والندم والإقلاع قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [(201) سورة الأعراف]. وهكذا تستقيم أحوال العبد وتشرق الهداية في قلبه باستمرار مجاهدته لنفسه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [(69) سورة العنكبوت] فيبتعد شيئاً فشيئاً عن المعصية ويقترب رويداً رويداً من طاعة ربه ورضوانه حتى يتمكن من نفسه ويسلس قيادها لله، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا
اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا
لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ
}
[(16) سورة التغابن] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [(17) سورة محمد]
.

المرتبة الثالثة من مراتب التقوى: أن يتنـزه
المرء عن كل ما يشغل سره عن الحق -تبارك وتعالى- ويتبتل إليه بكليته. وهذه
مرتبة التقي الذي تجرد بكليته إلى الله، وامتلأ قلبه بحب الله، واطمأنت
نفسه بالأنس به، فلم تعد تحدثه بمعصية، ثم يرتقي بعد ذلك في منازل الطاعات
والمجاهدات، فهو حيث أمر الله موجود، وحيث نهى الله مفقود، وضع قدمه في
طريق التقوى الفسيح، وتقدم فيه ما وسعه التقدم تحقيقاً لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}
[(102) سورة آل عمران]،
فهو يجاهد في الله حق جهاده، ويخشى الله حق خشيته، ويطيع الله حق طاعته،
ويتبع الرسول -صلى الله عليه وسلم- حق اتباعه، ويدعو إلى سبيله حق دعوته،
ولا يزال يرتقي في هذا السبيل القويم حتى يصل إلى مرتبة الإحسان، فيعبد
الله كأنه يراه، فيلاحظ أمر الله ورقابته في كل قول وعمل وتصرف، وابتعد عنه
الشيطان وتخلص من وساوسه؛ لأنه دائم الذكر لله، دائم التفكير بعظمته
وجلاله وقدرته، فإنك لا ترى العبد في هذه المرتبة إلا ذاكراً قانتاً
متفكراً مجاهداً عاملاً، همّه رضا الله، وهمّه الآخرة، فهو من الذين عقلوا
عن الله، وعلموا عن الله جلاله وعظمته ورحمته وإنعامه، فاستغرقوا في الحمد
والشكر والثناء على هذه الآلاء قال الله تعالى: {أَمَّنْ
هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ
}
[(9) سورة الزمر]

وهذه هي النفس المطمئنة، المطمئنة إلى ربها
المطمئنة إلى طريقها، المطمئنة إلى قدر الله فيها، المطمئنة في السراء
والضراء وحين البأس، وفي البسط والقبض، وفي المنع والعطاء، المطمئنة فلا
ترتاب، والمطمئنة فلا تنحرف، والمطمئنة فلا تغفل، والمطمئنة فلا تضعف ولا
تخضع، والمطمئنة فلا تتلجلج في الطريق، والمطمئنة فلا ترتاع في يوم الهول
والرعب، يغمرها جو الأمن والرضا والطمأنينة في مشهد من الود والقربى
والسكينة، وتهب عليها ريح الجنة الرضية الندية، وتتجلى عليها طلعة الرحمن
-سبحانه وتعالى-: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً *
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي
}
[(27-30) سورة الفجر]. قال الله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [(63) سورة مريم]
.
والعاقبة للتقوى - صفحة 2 On215fhkraydpzw5ysnc


اعلموا رحمني الله وإياكم أن من رزقه الله التقوى فعمرت قلبه ذاق نعيم
السعادة في الدنيا قبل الآخرة، وكان من أكرم الخلق على الله فعن أبي هريرة
قال: قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: ((أتقاهم))، فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فيوسف نبي الله بن نبي الله بن نبي الله بن خليل الله))، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فعن معادن العرب تسألوني؟، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)).

إن التقوى تمسك اليد عن أن تنال حراماً،
وتمسك الرجل عن أن تمشي إلى ما يغضب الله -عز وجل-، وتمسك اللسان عن كل قول
يحاسب الله عليه، وتمسك العين من أن تنظر إلى حرام، إنها تجعل الإنسان
يسير في دروب الحياة حذرا مدققا في كل ما يأخذ أو يدع،

فيا أيها الأحبة: الواجب على العاقل منا وبعد ما تقدم أن يعمل من أجل
المصير الأخير – الدار الآخرة – التي من أجلها خلقه الله -سبحانه وتعالى-،
وأن يكون عالماً بكل ما أمر به الدين، وما نهى عنه، ومطبقاً له في كل شؤون
حياته، ومتزوداً ومستعداً بالتقوى والأعمال الصالحة وأن يعمل في دنياه من
أجل أخراه حتى تسجل له الحسنات وتمحى عنه السيئات.
تزود من التقــوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجرِ
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكاً *** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم *** وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبرِ
وكـم من عروس زينوها لزوجها *** وقد قبضت أرواحهم ليلـة القدرِ
وكم من صحيح مات من غير علَّة *** وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
وعن مالك بن دينار -رحمه الله- أنه قال: "اتخذ طاعة الله تجارة، تأتيك الأرباح من غير بضاعة".
وقال أبو حاتم -رحمه الله-: "قُطب الطاعات
للمرء في الدنيا: هو إصلاح السرائر، وترك إفساد الضمائر، والواجب على
العاقل الاهتمام بإصلاح سريرته، والقيام بحراسة قلبه عند إقباله وإدباره
وحركته وسكونه؛ لأن تكدُّر الأوقات، وتنغص اللذات، لا يكون إلا عند فساده".

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل: *** خلوتُ، ولكن قل: عليّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفلُ ســاعة *** ولا أن ما يخفى عليــه يغيبُ
ألم تر أن اليــوم أسرع ذاهب *** وأن غـــداً للناظرين قريبُ
قال مالك بن دينار:
"إن القلب إذا لم يكن فيه حُزن خرب كما يخرب البيت إذا لم يكن فيه ساكن،
وإن قلوب الأبرار تغلي بأعمال البر، وإن قلوب الفجار تغلي بأعمال الفجور،
والله يرى هُمومكم، فانظروا ما همومكم؟ رحمكم الله."
وعن الحسن البصري قال: "إنكم وقوف ها هنا تنتظرون آجالكم، وعند الموت تلقون الخبر، فخذوا مما عندكم لما بعدكم."
وأنشد المنتصر الأنصاري -رحمه الله-:

وإن امرأً لم يَصفُ لله قلبُه *** لفي وحشةٍ من كل نظرة ناظرِ
وإن امرأً لم يرتحل ببضاعة *** إلى داره الأخرى فليس بتاجرِ
وإن امرأً يبتـاع دنيا بدينه *** لمنقلب منها بصفقــة خاسر
وذلك
حاصل لمن زهد في التجارة مع الله سبحانه واستبدل الحصى بالدرِّ، والنار
بالجنة، والبوار بالقرار، وذلك هو المغبون الخاسر في الدنيا والآخرة كقوله
تعالى {فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}
[(16) سورة البقرة]، وهو كما قال الشاعر:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا *** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ
فطوبى لعبد آثر الله ربه *** وجــاد بدنياه لما يتوقعُ
وعن خالد الربعي قال:
"كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً، فأمره سيده أن يذبح شاةً فذبح شاة، فقال
له: ائتني بأطيب مضغتين في الشاة، فآتاه باللسان والقلب، ثم مكث أياماً،
فقال: اذبح شاة فذبح، فقال له: ألقِ أخبث مضغتين في الشاة، فألقى إليه
اللسان والقلب، فقال له سيده: قلت لك حين ذبحت الشاة: ائتني بأطيب مضغتين
في الشاة، فأتيتني باللسان والقلب، ثم قلت لك الآن حين ذبحت الشاة: ألقِ
أخبث مضغتين في الشاة، فألقيت اللسان والقلب؟ فقال: إنه لا أطيب منهما إذا
طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا."

وما المـــرء إلا قلبه ولسانه *** إذا صلحت أخبــاره ومداخله
إذا ما رداء المرء لم يك طاهراً *** فهيهات أن ينقيه بالماء غاسله
وما كل من تخشى ينالك شره *** وما كـــل ما أملته أنت نائله
نعم إن معقد الصلاح والطهارة في الباطن حيث القلب، وإن المظهر تبع للمخبر، فمن صحت سريرته صحت علانيته.
وإذا بحثت عـن التقي وجدته *** رجلاً يصدّقُ قوله بفعالِ
وإذا اتقى الله امرؤٌ وأطـاعه *** فيداه بين مكـارم ومعالِ
وعلى التَقيّ إذا ترسخ في التقى *** تاجان: تاج سكينة وجمالِ
وإذا تناسبت الرجال فما أرى *** نسباً يكون كصالح الأعمالِ
عن عبد الله بن البزاز عن أبيه قال: قلما دخلت على إسحاق بن أبي ربعيّ إلا وهو يتمثل بهذا البيت:
خيرٌ من المال والأيامُ مقبلةٌ *** جيبٌ نقيٌ من الآثام والدنس وعن أحمد بن موسى قال: وُجِدَ على خُفِّ عطاء السلمي مكتوباً وكان حائكاً:
ألا إنما التقوى هو العز والكرم *** وفخرك بالدنيا هو الذل والعدمْ
وليس على عبدٍ تقيٍ نقيصةٌ *** إذا صحّح التقوى وإن حاك أو حجمْ
قال أبو حاتم:
"العاقل يُمضي أسبابه بلزوم التقوى؛ لأن ذلك أول شُعب العقل، وليس إليه
سبيل إلا بصلاح القلب، وكأن قلبه شُرِّح بسكاكين التقيّة، ثم مُلِّح بملح
الخشية، ثم جُفف برياح العظمة، ثم أُحيي بماء القُربة، فلا يوجد فيه إلا ما
يُرضي المولى -جل وعلا-".

وإذا تشاجر في فؤادك مرةً *** أمران فاعمد للأعفِّ الأجملِ
وإذا هممت بأمر سوء فاتَّئد *** وإذا هممت بأمر خير فافعلِ
[color:f873=#3333

descriptionوالعاقبة للتقوى - صفحة 2 Emptyرد: والعاقبة للتقوى

more_horiz
والعاقبة للتقوى - صفحة 2 2145325613

descriptionوالعاقبة للتقوى - صفحة 2 Emptyرد: والعاقبة للتقوى

more_horiz
السلآم عليكم

شكرآ لك على الموضوع الرآئع والعاقبة للتقوى - صفحة 2 2347500315

انتظر جديدك ~

تحيآتي
 KonuEtiketleri عنوان الموضوع
والعاقبة للتقوى
 Konu BBCode BBCode
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى