بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد حاز صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب القوة الدنيوية الكثير،
ولكن إن قارناها بالفرس والروم؛ لرجحت كفة الفرس والروم عنا، ولكن تميز
الصحابة رضي الله عنهم بصفة لم يتسم بها أحد على الأرض مثلهم قط، وهذا هو
ما ضاعف القوة عندهم؛ إنه الإيمان بالله تعالى.
لذلك حرصت أن نتعرض لهذه الصفة: سكينة الإيمان.
ما هي سكينة الإيمان؟
ولا يُفهم من كلامنا أن ثوب الإيمان أو سكينة الإيمان هما الخضوع والخنوع
وطأطأة الرأس، فهذا الخنوع قد ذمته الشفاء رضي الله عنها حينما رأت من يدعي
الإيمان بخنوعه وخضوعه.
ولكن ما نقصده هو طمأنينة القلب بالإيمان، هو سكينة الجوارح بالطاعة، هو ما
وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: (إن في الدنيا جنة من لم
يدخلها لا يدخل جنة الآخرة).
هو ذلك الإيمان والطمأنينة التي كانت تقطر من كلمات ابن تيمية رحمه الله
وهو يقول: (أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي
خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة) ... فهل تحسين منه بسكينة
الإيمان؟
لقد أحس به تلميذه ابن القيم رحمه الله وشعر بطمأنينة الإيمان في صدر شيخه
ابن تيمية فقال عنه: (كنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا
الأرض أتيناه؛ فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله وينقلب
انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة).
ولكن كما تعودنا؛ حينما نتناول صنفًا من الصفات التي نبغيها من مأدبة
الطاعة فلن نتوقف عند أثرها الإيماني فقط بل سننطلق إلى كشف آثارها على
الناحية النفسية للفتاة المسلمة لتكتمل الفائدة وتعم.
ثمرات وعلامات:
لسكينة الإيمان ثمرات تجنيها الفتاة التي تطلبها، وعلامات تستدل بها على
نجاحها في امتلاك تلك الصفة الطيبة؛ حاولت أن أجملها لكِ لتنتصب أمامك
علامات على درب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، تبرهن أنكِ تسيرين على
الدرب الصحيح، الذي من سار عليه بجد وصل.
أولًا ـ حب الطاعة:
إنها أولى الثمرات التي تجنيها من تتصف بسكينة الإيمان، أن تحب طاعة الله
تعالى وتستمتع بها، وتشعر بالطمأنينة والهدوء فيها؛ لأن الله تعالى قد
بيَّن ذلك في كتابه حينما قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، فمن علامة الإيمان
حب الطاعة والتعلق بها.
فهناك من تعلق قلبه بالصلاة وكان يستمتع بها؛ كالنبي محمد صلى الله عليه
وسلم، حينما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) [صححه الألباني]، وينادي على
بلال: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها) [صححه الألباني].
ثانيًا ـ كراهية المعصية:
وهذا هو الشق الثاني من المعادلة؛ التي وردت في آية سورة الحجرات:
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ
هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، فمن تحلت بسكينة الإيمان ألقى الله في
قلبها كراهية المعاصي والذنوب، فبعد أن كانت المعاصي تسيطر على العبد،
وتعرقل سيره إلى الله تعالى، فإذ بالإيمان حينما يعمر القلب يطرد منه
التعلق بالمعاصي والآثام.
فهكذا دومًا المؤمن، يرى المعصية قطعة من عذاب النار، يراها خزيًا في
الدنيا وذلة، يراها كآبة وضيق صدر، يراها تبعده عن الله تعالى، بخلاف قليل
الإيمان؛ فإنه يرى المعصية متعة ومكسبًا له، فأنعمي بمن حبب الله إليها
الإيمان وكره إليها الكفر والفسوق والعصيان؛ فهي راشدة كما سماهم الله
تعالى.
ثالثًا ـ الطمأنينة في المحن:
حينما ينزل الامتحان ويأتي الابتلاء، أو يفشل المرء في هدفه بلا تقصير منه؛
هنا يأتي الإيمان ليلقي في القلب الطمأنينة، وينشر في الجوارح السكينة،
ويبث في اللسان شكر الله تعالى، فتثبت الفتاة المؤمنة على ما يرضي الله جل
وعلا، فهذه ثمرة لسكينة الإيمان.
وقد كان على الدرب من قبل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حينما ابتلاه
الله بأخذ نور عينيه؛ فما كان منه إلا الشكر والثبات والرضى، فأنشد يعدد
نعم الله عليه راضيًا:
إن يأخذ الله مـن عـيني نورهما فـفي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخـل وفي فمي صارم كالسيف مسلول
وتبعه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد كان ممتحنًا مبتلى ولكن ما
زاده ذلك إلا رضًا وثباتًا، يقول عنه تلميذه ابن القيم: (علم الله ما رأيت
أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية
والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من
أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة
النعيم على وجهه) [الوابل الصيب، ابن القيم، (1/67)].
رابعًا ـ الشكر على النعم:
قليل من الناس من لا يطغى بعد إنعام الله عليه بآلائه ونعمائه، فبعض الناس
ينتهج نهج قارون، ويتكبر على الآخرين ولا يشكر الله على نعمه، ولكن صاحبة
سكينة الإيمان عليها أن تنتهج طريق سليمان عليه السلام، الذي آتاه الله
ملكًا كبيرًا واسعًا لم ينبغ لأحد من بعده قط، فملك الإنس والجن والطير؛
فما زاده ذلك إلا شكرًا للمولى سبحانه فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ
أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].
خامسًا ـ الاستقرار النفسي:
بالإضافة إلى كل ما مضى، وبالإضافة إلى الثواب العظيم لصاحبة سكينة الإيمان، فإن لهذه الصفة آثارًا وفوائد كثيرة جدًّا.
فمن رزقها الله تعالى الإيمان لا تشعر أبدًا بالتناقض بين نفسها وبين قيم
مجتمعها، ولا بين شخصيتها أمام الآخرين وبعيدًا عنهم، ولا بين حالها وما
أمرها الله به؛ لأنها لا تخفي معصية ولا ذنبًا بل هي طائعة في السر
والعلانية، وهذا "الاتساق النفسي" يفجر طاقة كبيرة للعمل والإبداع والعطاء،
ويجعل الإنسان يشعر بالسعادة والأمل في حياته.
(فمع النمو الخُلُقي لدى الشباب في هذه المرحلة يسهل الاندفاع نحو التدين
والالتزام، والتدين من مؤشرات الصحة النفسية، حيث يؤدي إلى التوافق الشخصي
فيسهم في تحقيق السعادة والأمن، ويدفع إلى الكفاءة المهنية) [شباب بلا
مشاكل، د.أكرم رضا، ص(161)].
وأيضًا من تحلت بسكينة الإيمان يرزقها الله تعالى الاستقرار النفسي
والسكينة والثبات في كل شيء، فلا يصيبها القلق من المستقبل، ولا الخوف من
أي شيء، بل هي دومًا مطمأنة هادئة.
فالمراهق يحب العبادة والمساجد، والعطف على الفقير والمحتاج، و(كل هذا
وغيره من الظواهر تشير إلى ميول المراهق الأكيدة للتدين والتعبد بصوره
المختلفة، وهو أمر يلحظه كثير من الآباء والأمهات والمربين على المراهقين.
وقد أشارت العديد من الدراسات النفسية الميدانية إلى هذا التوجه والميول،
عند المراهقين والمراهقات في البلدان المختلفة، وهو موجود عند المراهقين
والمراهقات جميعًا، وإن كانت الدراسات تثبت ميلًا أكثر لدى المراهقات،
وخصوصًا في بعض الحالات، وهذا الميل أمر تؤيده الفطرة ويعززه النضج العقلي
والمعرفي الذي يصل إليه المراهق، وتذكيه عواطفه الغزيرة وأحاسيسه المرهفة)
[المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، ص(40-41)].
كيف السبيل؟
بداية علينا أن نعلم أن هذا الإيمان وتلك الصفة جعلها الله تعالى في متناول
الجميع، فإن الله ما كلف عباده إلا بما يطيقونه، فهي يسيرة لمن يسرها الله
تعالى له.
وكي ندرك كيف السبيل إلى هذه الصفة المحمودة فلنتأمل هذا الكلام الطيب من الحبيب صلى الله عليه وسلم:
الحديث الأول: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ من كان الله ورسوله
أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في
الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار) [متفق عليه].
الحديث الثاني: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) [متفق عليه].
الحديث الثالث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
خيرًا أو ليصمت) [متفق عليه].
من مجمل هذه الأحاديث نستخلص أن السبيل إلى سكينة الإيمان يتلخص في طريقين اثنين:
الطريق الأول ـ حب الله ورسوله:
فهذا أول طريق إلى حلاوة الإيمان كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم، حب
الله وحب الرسول، أكثر من أي شيء آخر، ولكن لمحبة الله تعالى ضابطًا تتلخص
في آية آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
فطريق المحبة المواظبة على كل ما افترضه الله تعالى علينا؛ من أداء الصوات الخمس في أوقاتها، وصيام رمضان وتأدية الزكاة وغيرها.
وطريق المحبة أيضًا اجتناب كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، مهما إن تعلقت به النفس وتاقت إليه، فأمر الله تعالى أعلى وأجل.
الطريق الثاني ـ حسن الخلق:
وهذا الطريق بيِّن وواضح في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه،
فإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وقول الخير إلى الآخرين كل ذلك طريق إلى
الإيمان.
فمن أراد سكينة الإيمان فليحسن من علاقته بالآخرين، وأقل الخلق أن لا ينال
غيرك الأذى بسببك، ولا يتضرر بسوء خلقك، بل تكف شرك عن الناس.
حادي الطريق:
لابد كي تسلكي هذا الطريق من قائد يسوقك إلى حلاوة الإيمان، يعرف الدرب
لأنه خاضه من قبل، وحقق فيه الكثير من المكاسب، وهنا تظهر صحبة الخير
وصديقات الفلاح، فالزميهم فإنما هن طوقك نجاتكِ؛ (فالمراهقين بحاجة إلى من
يفسح لهم صدره ويصغي لتساؤلاتهم ويحملها على محمل صحيح ويحسن الظن بهم،
ويناقشهم في ود واحترام وإن جادلوه جادلهم بالتي هي أحسن بلا تحامل ولا
تقبيح) [مراهقة بلا أزمة، د.أكرم رضا، ص(116)].
قطاع الطريق:
في طريق فتاتنا إلى سكينة الإيمان يقف لها قطاع الطرق بالمرصاد، يبغون ردها
عن هدفها وعن إيمانها الذي تبغي وتريد، وأبرز ما يقطع الطريق الذنوب
والمعاصي.
فالإيمان كالثوب الأبيض ناصع البياض، الذي يحافظ عليه صاحبه أن يعتريه تراب
أو غبار، لأنه يظهر عليه أدنى شيء من الوسخ، فالذنوب والمعاصي هي التراب
والغبار، وغسلها يكون بالتوبة وتجديد العهد مع الله تعالى.
ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها:
هذه نصيحة إيمانية أختم بها كلامي لكل فتاة حرصت على اكتساب سكينة الإيمان
عبر الالتزام بطاعة المولى واجتناب نواهيه، أستقيها من كتاب الله تعالى،
تحديدًا من سورة النحل، حيث يقول المولى جل وعلا: {وَلَا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل:
92]، فهذه امرأة من العرب كانت تنسج ثوبًا كاملًا ثم تنقضه وتفك خيطه بعد
ذلك، مضيعة مجهودها الذي بذلته.
فالمؤمن مثله كالنجوم العالية، تلتزم بجاذبية الكواكب والنجوم حولها من أجل
أن تظل عالية مرتفعة في السماء، فكذلك المؤمن مادام متسمًا بسكينة الإيمان
فهو الحر حقًّا لا كما يظن أهل المعاصي والآثام؛ (فالحرية ليست التحرر من
الملابس ومن الأخلاق والقيم التي يتعامل بها المجتمع، بل الحرية الحقيقية
هي التحرر من قيود الشهوة والهوى، فلا يركع لذنب أو معصية، بل يتسامى على
شهوته وهواه من أجل المحافظة على إنسانيته) [رسائل سريعة إلى الشباب
والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(137)، بتصرف].
فنصيحتي إليك أخيتي أن لا تهتكي ثوب إيمانكِ بالذنوب والمعاصي بعد إذ بذلت من أجله الكثير من العمل والخير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد حاز صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من أسباب القوة الدنيوية الكثير،
ولكن إن قارناها بالفرس والروم؛ لرجحت كفة الفرس والروم عنا، ولكن تميز
الصحابة رضي الله عنهم بصفة لم يتسم بها أحد على الأرض مثلهم قط، وهذا هو
ما ضاعف القوة عندهم؛ إنه الإيمان بالله تعالى.
لذلك حرصت أن نتعرض لهذه الصفة: سكينة الإيمان.
ما هي سكينة الإيمان؟
ولا يُفهم من كلامنا أن ثوب الإيمان أو سكينة الإيمان هما الخضوع والخنوع
وطأطأة الرأس، فهذا الخنوع قد ذمته الشفاء رضي الله عنها حينما رأت من يدعي
الإيمان بخنوعه وخضوعه.
ولكن ما نقصده هو طمأنينة القلب بالإيمان، هو سكينة الجوارح بالطاعة، هو ما
وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: (إن في الدنيا جنة من لم
يدخلها لا يدخل جنة الآخرة).
هو ذلك الإيمان والطمأنينة التي كانت تقطر من كلمات ابن تيمية رحمه الله
وهو يقول: (أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي
خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة) ... فهل تحسين منه بسكينة
الإيمان؟
لقد أحس به تلميذه ابن القيم رحمه الله وشعر بطمأنينة الإيمان في صدر شيخه
ابن تيمية فقال عنه: (كنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا
الأرض أتيناه؛ فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله وينقلب
انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة).
ولكن كما تعودنا؛ حينما نتناول صنفًا من الصفات التي نبغيها من مأدبة
الطاعة فلن نتوقف عند أثرها الإيماني فقط بل سننطلق إلى كشف آثارها على
الناحية النفسية للفتاة المسلمة لتكتمل الفائدة وتعم.
ثمرات وعلامات:
لسكينة الإيمان ثمرات تجنيها الفتاة التي تطلبها، وعلامات تستدل بها على
نجاحها في امتلاك تلك الصفة الطيبة؛ حاولت أن أجملها لكِ لتنتصب أمامك
علامات على درب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، تبرهن أنكِ تسيرين على
الدرب الصحيح، الذي من سار عليه بجد وصل.
أولًا ـ حب الطاعة:
إنها أولى الثمرات التي تجنيها من تتصف بسكينة الإيمان، أن تحب طاعة الله
تعالى وتستمتع بها، وتشعر بالطمأنينة والهدوء فيها؛ لأن الله تعالى قد
بيَّن ذلك في كتابه حينما قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7]، فمن علامة الإيمان
حب الطاعة والتعلق بها.
فهناك من تعلق قلبه بالصلاة وكان يستمتع بها؛ كالنبي محمد صلى الله عليه
وسلم، حينما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) [صححه الألباني]، وينادي على
بلال: (أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها) [صححه الألباني].
ثانيًا ـ كراهية المعصية:
وهذا هو الشق الثاني من المعادلة؛ التي وردت في آية سورة الحجرات:
{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ
هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، فمن تحلت بسكينة الإيمان ألقى الله في
قلبها كراهية المعاصي والذنوب، فبعد أن كانت المعاصي تسيطر على العبد،
وتعرقل سيره إلى الله تعالى، فإذ بالإيمان حينما يعمر القلب يطرد منه
التعلق بالمعاصي والآثام.
فهكذا دومًا المؤمن، يرى المعصية قطعة من عذاب النار، يراها خزيًا في
الدنيا وذلة، يراها كآبة وضيق صدر، يراها تبعده عن الله تعالى، بخلاف قليل
الإيمان؛ فإنه يرى المعصية متعة ومكسبًا له، فأنعمي بمن حبب الله إليها
الإيمان وكره إليها الكفر والفسوق والعصيان؛ فهي راشدة كما سماهم الله
تعالى.
ثالثًا ـ الطمأنينة في المحن:
حينما ينزل الامتحان ويأتي الابتلاء، أو يفشل المرء في هدفه بلا تقصير منه؛
هنا يأتي الإيمان ليلقي في القلب الطمأنينة، وينشر في الجوارح السكينة،
ويبث في اللسان شكر الله تعالى، فتثبت الفتاة المؤمنة على ما يرضي الله جل
وعلا، فهذه ثمرة لسكينة الإيمان.
وقد كان على الدرب من قبل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، حينما ابتلاه
الله بأخذ نور عينيه؛ فما كان منه إلا الشكر والثبات والرضى، فأنشد يعدد
نعم الله عليه راضيًا:
إن يأخذ الله مـن عـيني نورهما فـفي لساني وسمعي منهما نور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخـل وفي فمي صارم كالسيف مسلول
وتبعه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد كان ممتحنًا مبتلى ولكن ما
زاده ذلك إلا رضًا وثباتًا، يقول عنه تلميذه ابن القيم: (علم الله ما رأيت
أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية
والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق وهو مع ذلك من
أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة
النعيم على وجهه) [الوابل الصيب، ابن القيم، (1/67)].
رابعًا ـ الشكر على النعم:
قليل من الناس من لا يطغى بعد إنعام الله عليه بآلائه ونعمائه، فبعض الناس
ينتهج نهج قارون، ويتكبر على الآخرين ولا يشكر الله على نعمه، ولكن صاحبة
سكينة الإيمان عليها أن تنتهج طريق سليمان عليه السلام، الذي آتاه الله
ملكًا كبيرًا واسعًا لم ينبغ لأحد من بعده قط، فملك الإنس والجن والطير؛
فما زاده ذلك إلا شكرًا للمولى سبحانه فقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ
أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ
أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ
الصَّالِحِينَ} [النمل: 19].
خامسًا ـ الاستقرار النفسي:
بالإضافة إلى كل ما مضى، وبالإضافة إلى الثواب العظيم لصاحبة سكينة الإيمان، فإن لهذه الصفة آثارًا وفوائد كثيرة جدًّا.
فمن رزقها الله تعالى الإيمان لا تشعر أبدًا بالتناقض بين نفسها وبين قيم
مجتمعها، ولا بين شخصيتها أمام الآخرين وبعيدًا عنهم، ولا بين حالها وما
أمرها الله به؛ لأنها لا تخفي معصية ولا ذنبًا بل هي طائعة في السر
والعلانية، وهذا "الاتساق النفسي" يفجر طاقة كبيرة للعمل والإبداع والعطاء،
ويجعل الإنسان يشعر بالسعادة والأمل في حياته.
(فمع النمو الخُلُقي لدى الشباب في هذه المرحلة يسهل الاندفاع نحو التدين
والالتزام، والتدين من مؤشرات الصحة النفسية، حيث يؤدي إلى التوافق الشخصي
فيسهم في تحقيق السعادة والأمن، ويدفع إلى الكفاءة المهنية) [شباب بلا
مشاكل، د.أكرم رضا، ص(161)].
وأيضًا من تحلت بسكينة الإيمان يرزقها الله تعالى الاستقرار النفسي
والسكينة والثبات في كل شيء، فلا يصيبها القلق من المستقبل، ولا الخوف من
أي شيء، بل هي دومًا مطمأنة هادئة.
فالمراهق يحب العبادة والمساجد، والعطف على الفقير والمحتاج، و(كل هذا
وغيره من الظواهر تشير إلى ميول المراهق الأكيدة للتدين والتعبد بصوره
المختلفة، وهو أمر يلحظه كثير من الآباء والأمهات والمربين على المراهقين.
وقد أشارت العديد من الدراسات النفسية الميدانية إلى هذا التوجه والميول،
عند المراهقين والمراهقات في البلدان المختلفة، وهو موجود عند المراهقين
والمراهقات جميعًا، وإن كانت الدراسات تثبت ميلًا أكثر لدى المراهقات،
وخصوصًا في بعض الحالات، وهذا الميل أمر تؤيده الفطرة ويعززه النضج العقلي
والمعرفي الذي يصل إليه المراهق، وتذكيه عواطفه الغزيرة وأحاسيسه المرهفة)
[المراهقون دراسة نفسية إسلامية، د.عبد العزيز النغيمشي، ص(40-41)].
كيف السبيل؟
بداية علينا أن نعلم أن هذا الإيمان وتلك الصفة جعلها الله تعالى في متناول
الجميع، فإن الله ما كلف عباده إلا بما يطيقونه، فهي يسيرة لمن يسرها الله
تعالى له.
وكي ندرك كيف السبيل إلى هذه الصفة المحمودة فلنتأمل هذا الكلام الطيب من الحبيب صلى الله عليه وسلم:
الحديث الأول: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ من كان الله ورسوله
أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدًا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في
الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار) [متفق عليه].
الحديث الثاني: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) [متفق عليه].
الحديث الثالث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
خيرًا أو ليصمت) [متفق عليه].
من مجمل هذه الأحاديث نستخلص أن السبيل إلى سكينة الإيمان يتلخص في طريقين اثنين:
الطريق الأول ـ حب الله ورسوله:
فهذا أول طريق إلى حلاوة الإيمان كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم، حب
الله وحب الرسول، أكثر من أي شيء آخر، ولكن لمحبة الله تعالى ضابطًا تتلخص
في آية آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31].
فطريق المحبة المواظبة على كل ما افترضه الله تعالى علينا؛ من أداء الصوات الخمس في أوقاتها، وصيام رمضان وتأدية الزكاة وغيرها.
وطريق المحبة أيضًا اجتناب كل ما حرم الله سبحانه وتعالى، مهما إن تعلقت به النفس وتاقت إليه، فأمر الله تعالى أعلى وأجل.
الطريق الثاني ـ حسن الخلق:
وهذا الطريق بيِّن وواضح في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه،
فإكرام الضيف والإحسان إلى الجار، وقول الخير إلى الآخرين كل ذلك طريق إلى
الإيمان.
فمن أراد سكينة الإيمان فليحسن من علاقته بالآخرين، وأقل الخلق أن لا ينال
غيرك الأذى بسببك، ولا يتضرر بسوء خلقك، بل تكف شرك عن الناس.
حادي الطريق:
لابد كي تسلكي هذا الطريق من قائد يسوقك إلى حلاوة الإيمان، يعرف الدرب
لأنه خاضه من قبل، وحقق فيه الكثير من المكاسب، وهنا تظهر صحبة الخير
وصديقات الفلاح، فالزميهم فإنما هن طوقك نجاتكِ؛ (فالمراهقين بحاجة إلى من
يفسح لهم صدره ويصغي لتساؤلاتهم ويحملها على محمل صحيح ويحسن الظن بهم،
ويناقشهم في ود واحترام وإن جادلوه جادلهم بالتي هي أحسن بلا تحامل ولا
تقبيح) [مراهقة بلا أزمة، د.أكرم رضا، ص(116)].
قطاع الطريق:
في طريق فتاتنا إلى سكينة الإيمان يقف لها قطاع الطرق بالمرصاد، يبغون ردها
عن هدفها وعن إيمانها الذي تبغي وتريد، وأبرز ما يقطع الطريق الذنوب
والمعاصي.
فالإيمان كالثوب الأبيض ناصع البياض، الذي يحافظ عليه صاحبه أن يعتريه تراب
أو غبار، لأنه يظهر عليه أدنى شيء من الوسخ، فالذنوب والمعاصي هي التراب
والغبار، وغسلها يكون بالتوبة وتجديد العهد مع الله تعالى.
ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها:
هذه نصيحة إيمانية أختم بها كلامي لكل فتاة حرصت على اكتساب سكينة الإيمان
عبر الالتزام بطاعة المولى واجتناب نواهيه، أستقيها من كتاب الله تعالى،
تحديدًا من سورة النحل، حيث يقول المولى جل وعلا: {وَلَا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل:
92]، فهذه امرأة من العرب كانت تنسج ثوبًا كاملًا ثم تنقضه وتفك خيطه بعد
ذلك، مضيعة مجهودها الذي بذلته.
فالمؤمن مثله كالنجوم العالية، تلتزم بجاذبية الكواكب والنجوم حولها من أجل
أن تظل عالية مرتفعة في السماء، فكذلك المؤمن مادام متسمًا بسكينة الإيمان
فهو الحر حقًّا لا كما يظن أهل المعاصي والآثام؛ (فالحرية ليست التحرر من
الملابس ومن الأخلاق والقيم التي يتعامل بها المجتمع، بل الحرية الحقيقية
هي التحرر من قيود الشهوة والهوى، فلا يركع لذنب أو معصية، بل يتسامى على
شهوته وهواه من أجل المحافظة على إنسانيته) [رسائل سريعة إلى الشباب
والشابات، عبد الحميد البلالي، ص(137)، بتصرف].
فنصيحتي إليك أخيتي أن لا تهتكي ثوب إيمانكِ بالذنوب والمعاصي بعد إذ بذلت من أجله الكثير من العمل والخير.