أما بعد .. عباد الله .. كيف نتوب
إلى الله؟
تقدم في الجمعة الماضية الكلام على مقام التوبة ، وبيان حالنا
مع الذنوب ، وذكر شروط التوبة .
وها نحن اليوم نكمل الكلام بذكر بعض
الطرق والوسائل العملية التي تعيننا على التخلص من الذنوب ، وتحقيق التوبة
إلى الله . الوسيلة الأولى:
1) تعبد الله تعالى بأسمائه وصفاته :
وهذا
الامر هو روح التوحيد والإيمان ، أن تعرف الله بأسمائه وصفاته لا معرفة
نظرية فقط ، بل معرفة قلب خاشع محب معظم لربه جل وعلا ، وهيه المعرفة لها
عدة مشاهد يشهدها القلب ، اكتفي بذكر ثلاثة مشاهد منها:
الأول) مشهد
الإطلاع والإجلال: وهو إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك ويسمعك .
فتستشعر
عظمة الله ورقابته .. وتستحي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ وتستحيي
من الملكين الذين لا يفارقانك ، يسجلان طاعاتك ومعاصيك .
الثاني) مشهد
المحبة: فإذا كنت تحب الله فلا تعصه ، فإن المحب لمن يحب مطيع .
الثالث)
مشهد الغضب: وهو شهود غضب الله وانتقامه ، فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد
في معصيته غضب واذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف 0
وتأمل
ما أعده الله من أنواع العذاب في القبر والقيامة والنار ، كيف أن الله
يعذّب الزاني ، وشاربَ الخمر والمخدرات ، وآكلَ الربا ، والنمام ، وغيرَهم .
2)
العلم : فإن الإنسان إنما يقع في الذنب لأحد أمرين: الجهل أو الهوى .
وشفاء
الجاهل العلم النافع الذي يرسخ في القلب فيثمر العمل الصالح .
يدخل في
العلم: العلم بالله وأسمائه وصفاته كما تقدم ، ويدخل فيه العلم بشؤم
المعصية .
ويدخل فيه أيضاً العلم بفضل التوبة ، وأنها سبب محبة الله
للعيد وفرحه به ، ودخوله جنته .
3) جاهد نفسك ، واصبر عن المعصية .
فإن
قلت كما يقول بعض الشباب: صعب ، لا أستطيع ، أنا تعودت على هذا الشي .
فأقول
لك: لا بد أن تصبر، وتذكر أن الصبر في الدنيا أهون من العذاب في الآخرة .
4)
استشعار ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل
اسم مذموم:
ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذى أدنى مثقال ذرة
منه خير من الدنيا وما فيها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) .
قال بعض الصحابة: ينزع منه
الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه .
5) استشعار
العوض : وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه
عن هواها (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) .
6)
تدبر القرآن والعمل به : فإن القرآن روح القلوب ، وهو شفاؤها من جميع
الشهوات والشبهات .
7) سد جميع الطرق التي توقعك في المنكر ، كالرفقة ،
أو الوحدة ، أو المجلات السيئة، أو الأفلام الخليعة ، أو الفضائيات الخبيثة
، أو الدخول إلى الانترنت ، وغيرها من وسائل وطرق المنكر .
أيها الأحبة
.. كلنا ضعفاء أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن مشكلة الكثير
منا: أنه يترك الفريسة بجوار الوحش، ويسكب الوقود على النار؛ ثم يصرخ
مستغيثا أدركوني أغيثوني!!
8) البيئة الصالحة المعينة ، فالمرء ضعيف
بنفسه ، قوي بإخوانه .. ولهذا أرشد العالم قاتل المائة في الحديث الصحيح أن
يترك بلده ويسافر إلى بلد آخر فيه قوم يعبدون الله تعالى.
فنقول: فر من
رفيق السوء ، غيّر رقم هاتفك، وغيّر منزلك إن استطعت، بل غيّر الطريق الذي
كنت تمر منه .
9) استحضار نعم الله تعالى .. وكم لله علينا من نعمة ،
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أمن في الأوطان ، وصحة في الأبدان ، وأنس
بالأهل والولدان ، وأطعمة متعددة ، وأشربة متنوعة . نسأل الله شكر نعمته .
إخوتي
في الله .. من منا زار المستشفيات ، وفكر في أهل البلاء والشقاء .
كم
منا ممن يتمتع بالصحة ، ويرفل في ثياب العافية ، وهو مقيم على معصية الله
تعالى .
عبد الله .. كيف تعصي الله وإحسانه إليك على مدى الأنفاس ،
أعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ،
وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتوك ويحرسونك ويحاربون عدوك ، ويطردونه
عنك ، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم ، وموالاته دونهم .
أمرك الله بشكره ،
لا لحاجته إليك ، ولكن لتنال به المزيد من فضله ، فجعلت كفر نعمه
والاستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنك .
دعاك إلى بابه فما
وقفت عليه ولا طرقته ، ثم فتحه لك فما ولجته !
أرسل إليك رسوله يدعوك
إلى دار كرامته ، فعصيت الرسول .
ومع هذا فلم يؤيسك من رحمته ، بل قال :
متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلاً ، قبلتك ، وإن أتيتني نهاراً قبلتك,
ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟ .. عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤكم على
فرشهم ، إني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غير ، وأرزق ويشكر
سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا
الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .
10) اتباع
السيئة بالحسنة .. كما قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
إن فعل
المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات .
ولهذا نقول: متى ما ابتلاك الشيطان بشيء
من السيئات ، فادمغه بسيل من الحسنات ، من الصلاة والدعاء والذكر والصدقة
وغيرها من الأعمال ، (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وتأملوا أحبتي في
الله في قصة هذه المرأة ، والتي جاءت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينما كلب يُطيف برَكيَّة (أي بئر)
كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي
خفها) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به " .
انظروا يا إخواني ،
ما الذي قام بقلب هذه المرأة الزانية ، من الرحمة ، مع عدم الآلة التي تسقي
بها الماء، وعدم وجود المعين على السقي، وعدم وجود من ترائيه بعملها ،
فغَرَّرَت المرأة الضعيفة بنفسها في نزول البئر، وملأت الماء في خفها، ولم
تعبأ بتعرضه للتلف، ثم حملت الخف بفمها وهو ملآن ، ثم تواضعت لهذا المخلوق
الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو
منه جزاء ولا شكوراً .
قال ابن القيم: فأحرقت أنوار هذا القدر من
التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها .
وقد روى الترمذي والنسائي
بسند حسن قصة أبي اليَسَر كعبِ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه وأصل القصة
في الصحيحين .
كان هذا الصحابي يبيع التمر في المدينة ، فجاءته امرأة
حسناء جميلة تشتري منه التمر ، وكان زوجها قد خرج غازياً في سبيل الله ،
فوسوس له الشيطان وزين له الوقوع بالمرأة ، فقال لها: إِنَّ فِي الْبَيْتِ
تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ . فدخلت معه في البيت ، فأخذ يقبلها ، ويباشرها
دون أن يصل إلى الجماع .نعم لقد وقع هذا الصحابي في هذه المعصية في موطن من
مواطن الضعف ، فما الذي حدث؟ضاقت به الدنيا ، وعظم به الأمر ، فذهب أولاً
إلى أَبي بَكْرٍ ، وأخبره بما وقع له ، فقال أبو بكر: اسْتُرْ عَلَى
نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكن أبا اليسر لم يصبر ، فذهب
إلى عمر ، فقال له عمر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ
أَحَدًا ، لكنه لم يصبر حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَذَكَر ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ .في هذه اللحظة ، تقطع قلب أبي اليسر ،
حَتَّى إنه تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ
السَّاعَةَ ، بل إنه ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . ثم أَطْرَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ، وأنزل رأسه إلى صدره ،
حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ) .. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أبي
اليسر ، ففرح بها فرحاً شديداً .. ثم قَالَ بعض الصحابة: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ
عَامَّةً .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
، والحمد لله رب العالمين .
إلى الله؟
تقدم في الجمعة الماضية الكلام على مقام التوبة ، وبيان حالنا
مع الذنوب ، وذكر شروط التوبة .
وها نحن اليوم نكمل الكلام بذكر بعض
الطرق والوسائل العملية التي تعيننا على التخلص من الذنوب ، وتحقيق التوبة
إلى الله . الوسيلة الأولى:
1) تعبد الله تعالى بأسمائه وصفاته :
وهذا
الامر هو روح التوحيد والإيمان ، أن تعرف الله بأسمائه وصفاته لا معرفة
نظرية فقط ، بل معرفة قلب خاشع محب معظم لربه جل وعلا ، وهيه المعرفة لها
عدة مشاهد يشهدها القلب ، اكتفي بذكر ثلاثة مشاهد منها:
الأول) مشهد
الإطلاع والإجلال: وهو إجلال الله تبارك وتعالى أن تعصيه وهو يراك ويسمعك .
فتستشعر
عظمة الله ورقابته .. وتستحي من الملائكة الذين سخرهم الله لحفظك؛ وتستحيي
من الملكين الذين لا يفارقانك ، يسجلان طاعاتك ومعاصيك .
الثاني) مشهد
المحبة: فإذا كنت تحب الله فلا تعصه ، فإن المحب لمن يحب مطيع .
الثالث)
مشهد الغضب: وهو شهود غضب الله وانتقامه ، فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد
في معصيته غضب واذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف 0
وتأمل
ما أعده الله من أنواع العذاب في القبر والقيامة والنار ، كيف أن الله
يعذّب الزاني ، وشاربَ الخمر والمخدرات ، وآكلَ الربا ، والنمام ، وغيرَهم .
2)
العلم : فإن الإنسان إنما يقع في الذنب لأحد أمرين: الجهل أو الهوى .
وشفاء
الجاهل العلم النافع الذي يرسخ في القلب فيثمر العمل الصالح .
يدخل في
العلم: العلم بالله وأسمائه وصفاته كما تقدم ، ويدخل فيه العلم بشؤم
المعصية .
ويدخل فيه أيضاً العلم بفضل التوبة ، وأنها سبب محبة الله
للعيد وفرحه به ، ودخوله جنته .
3) جاهد نفسك ، واصبر عن المعصية .
فإن
قلت كما يقول بعض الشباب: صعب ، لا أستطيع ، أنا تعودت على هذا الشي .
فأقول
لك: لا بد أن تصبر، وتذكر أن الصبر في الدنيا أهون من العذاب في الآخرة .
4)
استشعار ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل
اسم مذموم:
ويكفي في هذا المشهد مشهد فوات الإيمان الذى أدنى مثقال ذرة
منه خير من الدنيا وما فيها ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: (لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن) .
قال بعض الصحابة: ينزع منه
الإيمان حتى يبقى على رأسه مثل الظلة فإن تاب رجع اليه .
5) استشعار
العوض : وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله ونهى نفسه
عن هواها (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) .
6)
تدبر القرآن والعمل به : فإن القرآن روح القلوب ، وهو شفاؤها من جميع
الشهوات والشبهات .
7) سد جميع الطرق التي توقعك في المنكر ، كالرفقة ،
أو الوحدة ، أو المجلات السيئة، أو الأفلام الخليعة ، أو الفضائيات الخبيثة
، أو الدخول إلى الانترنت ، وغيرها من وسائل وطرق المنكر .
أيها الأحبة
.. كلنا ضعفاء أمام الشهوات إلا من عصم الله تعالى، ولكن مشكلة الكثير
منا: أنه يترك الفريسة بجوار الوحش، ويسكب الوقود على النار؛ ثم يصرخ
مستغيثا أدركوني أغيثوني!!
8) البيئة الصالحة المعينة ، فالمرء ضعيف
بنفسه ، قوي بإخوانه .. ولهذا أرشد العالم قاتل المائة في الحديث الصحيح أن
يترك بلده ويسافر إلى بلد آخر فيه قوم يعبدون الله تعالى.
فنقول: فر من
رفيق السوء ، غيّر رقم هاتفك، وغيّر منزلك إن استطعت، بل غيّر الطريق الذي
كنت تمر منه .
9) استحضار نعم الله تعالى .. وكم لله علينا من نعمة ،
(وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أمن في الأوطان ، وصحة في الأبدان ، وأنس
بالأهل والولدان ، وأطعمة متعددة ، وأشربة متنوعة . نسأل الله شكر نعمته .
إخوتي
في الله .. من منا زار المستشفيات ، وفكر في أهل البلاء والشقاء .
كم
منا ممن يتمتع بالصحة ، ويرفل في ثياب العافية ، وهو مقيم على معصية الله
تعالى .
عبد الله .. كيف تعصي الله وإحسانه إليك على مدى الأنفاس ،
أعطاك السمع والبصر والفؤاد ، وأرسل إليك رسوله ، وأنزل إليك كتابه ،
وأعانك بمدد من جنده الكرام ، يثبتوك ويحرسونك ويحاربون عدوك ، ويطردونه
عنك ، وأنت تأبى إلا مظاهرته عليهم ، وموالاته دونهم .
أمرك الله بشكره ،
لا لحاجته إليك ، ولكن لتنال به المزيد من فضله ، فجعلت كفر نعمه
والاستعانة بها على مساخطه من أكبر أسباب صرفها عنك .
دعاك إلى بابه فما
وقفت عليه ولا طرقته ، ثم فتحه لك فما ولجته !
أرسل إليك رسوله يدعوك
إلى دار كرامته ، فعصيت الرسول .
ومع هذا فلم يؤيسك من رحمته ، بل قال :
متى جئتني قبلتك ، إن أتيتني ليلاً ، قبلتك ، وإن أتيتني نهاراً قبلتك,
ومن أعظم مني جوداً وكرماً؟ .. عبادي يبارزونني بالعظائم ، وأنا أكلؤكم على
فرشهم ، إني والجن والانس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غير ، وأرزق ويشكر
سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا
الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي .
10) اتباع
السيئة بالحسنة .. كما قال تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
إن فعل
المحرمات لا يسوغ ترك الطاعات .
ولهذا نقول: متى ما ابتلاك الشيطان بشيء
من السيئات ، فادمغه بسيل من الحسنات ، من الصلاة والدعاء والذكر والصدقة
وغيرها من الأعمال ، (إن الحسنات يذهبن السيئات) .
وتأملوا أحبتي في
الله في قصة هذه المرأة ، والتي جاءت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بينما كلب يُطيف برَكيَّة (أي بئر)
كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (أي
خفها) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به " .
انظروا يا إخواني ،
ما الذي قام بقلب هذه المرأة الزانية ، من الرحمة ، مع عدم الآلة التي تسقي
بها الماء، وعدم وجود المعين على السقي، وعدم وجود من ترائيه بعملها ،
فغَرَّرَت المرأة الضعيفة بنفسها في نزول البئر، وملأت الماء في خفها، ولم
تعبأ بتعرضه للتلف، ثم حملت الخف بفمها وهو ملآن ، ثم تواضعت لهذا المخلوق
الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو
منه جزاء ولا شكوراً .
قال ابن القيم: فأحرقت أنوار هذا القدر من
التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فَغُفر لها .
وقد روى الترمذي والنسائي
بسند حسن قصة أبي اليَسَر كعبِ بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه وأصل القصة
في الصحيحين .
كان هذا الصحابي يبيع التمر في المدينة ، فجاءته امرأة
حسناء جميلة تشتري منه التمر ، وكان زوجها قد خرج غازياً في سبيل الله ،
فوسوس له الشيطان وزين له الوقوع بالمرأة ، فقال لها: إِنَّ فِي الْبَيْتِ
تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ . فدخلت معه في البيت ، فأخذ يقبلها ، ويباشرها
دون أن يصل إلى الجماع .نعم لقد وقع هذا الصحابي في هذه المعصية في موطن من
مواطن الضعف ، فما الذي حدث؟ضاقت به الدنيا ، وعظم به الأمر ، فذهب أولاً
إلى أَبي بَكْرٍ ، وأخبره بما وقع له ، فقال أبو بكر: اسْتُرْ عَلَى
نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ أَحَدًا ، لكن أبا اليسر لم يصبر ، فذهب
إلى عمر ، فقال له عمر: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلَا تُخْبِرْ
أَحَدًا ، لكنه لم يصبر حتى أتى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَذَكَر ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: أَخَلَفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟ .في هذه اللحظة ، تقطع قلب أبي اليسر ،
حَتَّى إنه تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ
السَّاعَةَ ، بل إنه ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ . ثم أَطْرَقَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلًا ، وأنزل رأسه إلى صدره ،
حَتَّى أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ (وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ
وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ ، إن الحسنات يذهبن السيئات ، ذلك ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ) .. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أبي
اليسر ، ففرح بها فرحاً شديداً .. ثم قَالَ بعض الصحابة: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَلِهَذَا خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ
عَامَّةً .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
، والحمد لله رب العالمين .